فلا يقال لا بأس. وقال في "المبسوط": والواجب على الإمام أولًا أن يبدأ بسد أطراف المسلمين بالرجال حتى لا يبقى طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين فإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر يدفع العدو قبل إتيانهم دار المسلمين فعل ويبدأ بالأخوف فالأخوف ويقلد القيام بذلك أميرًا من أهل الأمانة والعقل والعلم بالحرب والعدة والإناء والرفق وقلة البطش والعجلة والمعروف بالنصيحة للمسلمين فيحميهم في المقام ويدبرهم في الجهاد ولا يجعلهم فوضى فيختلفوا ويضعفوا، فإذا حكم هذا وجب عليه إدخال المسلمين ديار المشركين في الوقت الذي لا يضر بالمسلمين فيه ويرجو أن ينالوا الظفر بالمشركين وهذا كله احتياط فينا يعود إلى إصلاح المسلمين، وقال في "الحاوي": تقليد هذا الأمير يصح إذا تكاملت فيه أربعة شروط أحدها: أن يكون مسلمًا لأنه يقاتل على دين فإذا لم يعتقده لم يؤمن عليه. والثاني: أن يكون مأمونًا على من يليه من الجيش أن يخونهم وعلى من يقاتله من العدو أن يعينهم. والثالث: أن يكون شجاعًا في الحرب يثبت عند الهرب ويتقدم عند الطلب لأنه معد لهما. والرابع: أن يكون ذا رأي في السياسة والتدبير ليسوس الجيش على اتفاق الكلمة في الطاعة ويدبر الحرب في انتهاز الفرصة وأمر الغزو.
ثم ولايته على ضربين ولاية تنفيذ، وولاية تفويض، فالتنفيذ ما كانت موقوفة على رأي الإمام وتنفيذ أوامره فيصح، وإن كان عبدًا من غير أهل الاجتهاد. وولاية التفويض: ما فوضت إلى رأي الأمير ليعمل فيها باجتهاده فيعتبر في انعقادها مع الشروط الأربعة شرطان آخران الحرية لأن التفويض ولاية، والثاني: أن يكون من أهل الاجتهاد في أحكام الجهاد وهل يعتبر أن يكون من أهل الاجتهاد في غيره من أحكام الدين؟ فيه وجهان بناءً على اختلاف أصحابنا في هذا الأمير هل يجوز أن ينظر في أحكام جيشه إذا كان مطلق الولاية؟ فإن قلنا: يجوز النظر في أحكامهم يلزمه أن يكون من أهل الاجتهاد في جميع الأحكام، وإن قلنا: ليس له ذلك ويكون القاضي أحق بالنظر فيها منه لا يلزم أن يكون من أهل الاجتهاد من غير الجهاد.
مسألة: قال: وأقل ما على الإمام أن لا يأتي عام إلا وله فيه غزو.
الفصل
يستحب الإكثار من الغزو فإنه طاعة عظيمة لله تعالى فالاستكثار منها أولى، وروى عمران بن الحصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال".