وفيه دليل على أن جهاد الكفار مع أئمة الجور واجب مع أمة العدل، وقوله: ناوأهم يريد ناهضهم للقتال وأصله من ناء ينوء إذا نهض، وروى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قفله كغزوة". وأراد به القفول عن الغزو والرجوع إلى الوطن أي: أن للمجاهد إلى أهله في انصرافه كأجره في إقباله إلى الجهاد وهذا لأن المداومة تضر بأهله وفي قوله: إليهم إزالة الضرر عنهم وقد قيل: أراد به التعقيب وهو رجوعه ثانيًا في الوجه الذي جاء منه منصرفًا، وإن لم يكن عدو وقد يفعل الجيش ذلك الانصراف لأحد أمرين: أحدهما: أن العدو إذا رآهم قد انصرفوا عن ساحتهم آمنوا فخرجوا عن مكانهم، فإذا قفل العدو نالوا الفرصة منهم فأغاروا عليهم. والثاني: أنهم إذا انصرفوا من مغزاهم ظاهرين لا يأمنوا أن يقفوا العدو أثرهم فيوقعوا بهم وهم غارون فإذا رجعوا يكونون مستعدين لقتالهم وإلا فقد سلموا.
وروى أبو إمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل خرج غازيًا في سبيل الله تعالى فهو ضامن على الله تعالى حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما كان من أخر وغنيمة، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله، ورجل دخل بيته بسلام. وقوله: "ضامن" أي: مضمون كقوله تعالى: {فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة} أي: مرضية وقوله: "ثلاث كلهم ضامن" يريد كل واحد منهم وقوله: "ورجل دخل بيته بسلام" أراد أن يسلم إذا دخل منزله، وقيل: أراد لزوم البيت طلب السلامة من الفتن يرغب في العزلة بذلك. وروى أبو مالك الأشجع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد أو وفصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وله الجنة".
وقوله: فصل أي خرج وقوله: "وفصه فرسه" معناه صرعه فدق عنقه، والهامة إحدى الهوام وهي ذوات السموم القاتلة كالحية والعقرب ونحوهما. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شر ما في الرجل شح الهالع وجبن خالع" وأصل الهلع الجزع، والهالع هنا ذو الهلع، والشح أشد من البخل، ومعناه: البخل الذي يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه فإذا استخرج منه هلع، والجبن الخالع هو الشديد الذي يخلع فؤاده من شدته. وروى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به