وتكافؤ ذاك ثم هذا على ضربين: أحدهما: أن يكون المقصود واحدًا فيتعين السلام عليه من القاصد ويتعين الرد فيه على المقصود. والثاني: أن يكون المقصود جماعة وهما ضربان أحدهما: أن يكون عدد الجماعة قليلًا يعمهم السلام الواحد فليس يحتاج في قصدهم إلى أكثر من سلام واحد يقيم به سنة السلام وما زاد عليه من تخصيص بعضهم فهو أدب. والثاني: أن يكون جميعًا لا ينتشر فيهم سلام الواحد كالجامع والمسجد المحفل بأهله فسنة السلام أن يبتدئ به الداخل في أول دخوله إذا شاهد أوائلهم وتؤدى سنة السلام في جميع من سمعه ويدخل في فرض الكفاية الرد جميع من سمعه، فإذا أراد الجلوس فيهم سقطت عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين وإن أراد أن يجلس فيمن بعدهم ممن لم يسمعه سلامه المتقدم وجهان أحدهما: أن سنة السلام عليهم قد سقطت بالسلام على أوائلهم لأنه جمع واحد فإن سلم عليهم كان أدبًا فعلى هذا أي أهل المسجد رد عليه سقط فرض الكفاية عن جميعهم، والثاني: أن سنة السلام باقية عليه فيمن لم ينتشر فيهم سلامه إذا أراد الجلوس بينهم لأنهم بسلامه أخص فعلى هذا لا يسقط فرضه على الأوائل برد الأواخر.
وأما المختلف فيه فسلام القاصد إذا لزمه الاستئذان على المقصود فيؤمر القاصد بالاستئذان والسلام لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَانِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} وفي قوله: {تَسْتَانِسُوا} تأويلان: أحدهما: أراد حتى تستأذنوا قاله ابن عباس. والثاني: حتى تعلموا أن فيها من يأذن لكم من قوله تعالى: {آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} أي: علم، قاله ابن قتيبة وهل يبتدئ عند الاستئذان بالاستئذان أم بالسلام؟ فيه وجهان: أحدهما: يبتدئ بالاستئذان قبل السلام لقوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَانِسُوا وَتُسَلِّمُوا} فعلى هذا يكون الاستئذان واجبًا والسلام سنة. والثاني: يبدأ بالسلام قبل الاستئذان لأنه وإن كان مقدمًا في التلاوة فهو مؤخر في الحكم لما روى محمد بن سيرين أن رجلًا استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل عنده: " قم فعلم هذا كيف يستأذن فإنه لم يحسن" فسمعها الرجل فسلم واستأذن قال صاحب "الحاوي": الأولى عندي من اختلاف هذين الوجهين أن يكون محمولًا على اختلاف حالين لا يتعارض فيهما كتاب ولا سنة وهو إن وقعت عين القاصد على المقصود قبل دخوله قدم السلام على الاستئذان على ما جاءت به السنة، وإن لم تقع عينه عليه قدم الاستئذان على السلام على ما جاء به الكتاب العزيز فعلى هذا إذا أمر بأن يبتدئ بالسلام فسلم فهل يكون سلامه استئذانًا ويكون رده إذنًا؟ وجهان: أحدهما: يكون استئذانًا فعلى هذا يكون السلام واجبًا وإعادته بعد الوجوب إذنًا. والثاني: لا يكون استئذانًا ولا يكون رده إذنًا فعلى هذا يكون السلام مسنونًا قد سقطت به سنة السلام بعد الإذن.