ولأن الغنيمة لا تملك عنده إلا بالقسمة لأمرين:
أحدهما: أنه لا يجوز لواحد منهم بيع سهمه منها قبل القسمة، ويجوز بيعه بعدها.
والثاني: أنه لو استولى المسلمون على قرية من بلادهم دفعهم المشركون عنها، وفتحها آخرون من المسلمين كانت غنيمة للآخرين دون الأولين ودليلنا قوله تعالى: {واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ} فأضافها إلي الغانمين فدل على أنه لا حق فيها لغيرهم.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص من المدينة في سرية قبل نجد فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين وقد فتحها فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله فقال: "اجلس يا أبان" ولو يقسم له.
وروى أبو بكر رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الغنيمة لمن شهد الوقعة".
وقد رواه الشافعي موقوفًا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهو أثبت، ووقوفه عليهما حجة؛ لأنه لم يظهر لهما مخالف؛ ولأن أبا حنيفة وافقهما في المدد لو كانوا أسرى في أيديهم فقتلوا منهم ولحقوا بالمسلمين لم يسهم لهم، فكذلك غير الأسرى ولو لحقوا بهم في الوقعة شاركوهم فكذلك غير الأسرى، ويتحرر من هذا الاستدلال قياسان:
أحدهما: أنه وصول بعد القفول فلم يشركوا في الغنيمة كالأسرى.
والثاني: أن ما لم يشاركهم فيه الأسرى لم يشاركهم فيه المدد، قياسًا على ما بعد قسمة الغنيمة.
فأما الجواب عن حديث عبد الله بن عامر فهو أنه كان في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين وأنفذه إلي أوطاس، وهو واد بقرب حنين حين بلغه أن فيه قومًا من هوازن، فكان من جملة جيشه، ومستحق الغنيمة فلذلك قسم له وخالف من ليس منهم.
وأما حديث عمر فهو: إن صح مما لا يقول به أبو حنيفة؛ لأنه جعل استحقاق الغنيمة معتبرًا بفقء القتلى وفقؤهم غير معتبر فلم تكن فيه حجة.
وأما الجواب عن الظفر بالمدد فمن وجهين:
أحدهما: بطلانه بالمدد اللاحق بعد القسم.
والثاني: أن أسباب الظفر ما تقدمت أو قاربت، ولو كانت مما تأخرت لكانت بمن أقام ولم ينفر، وأما الجواب عن استدلالهم بأنها لا تملك إلا بالقسمة: فهو أن أصل لهم يخالفهم فيه كالخلاف في قرعة، واحتجاجهم فيه بأن القرى للآخرين فنحن نجعلها