للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا عليه من السنة بنقل السيرة التي نقلها الرواة، فتمسكوا بأدلة منهم، فمن ذلك، وهو سبب الفتح أن قريشًا لما نقضت صلح الحديبية بمن قتلت من خزاعة، وأتى وفد خزاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصرين، وهم أربعون رجلاً فيهم عمرو بن سالم، ثم قال عمرو فأنشده:

اللهم إني ناشد محمدًا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا

حتى أتى على شعره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت يا عمرو بن سالم والله لأغزون قريشًا والله لأغزون قريشًا إن شاء الله" وحقق هذه اليمين بمسيره بعد رد أبي سفيان بن حرب خائباً، وسار في عشرة آلاف فيهم ألفا دارع، ودخل بهم مكة، وعلى رأسه مغفر، وراياته منشورة، وسيوفه مشهورة، قالوا: وهذه صفة العنوة التي حلف بها أن يغزوهم. قال: وقد روى أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح عنوة، وهو من أخص أصحابه وأقربهم منه، فكان ذلك نصًا.

قالوا: وقد روى أبو هريرة قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فقال لي: يا أبا هريرة دع الأنصار فدعوتهم فأتوه مهر ولين فقال لهم: "إن قريشاً قد أوبشت أوباشها، فإذا لقيتموهم فاحصدوهم حصداً، حتى تلقوني على الصفا" فكان أمره بالقتل نافيا لعقد الصلح قالوا: ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: "من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن" ولو كان دخوله عن صلح لكان جميع الناس آمنين بالعقد.

قالوا: ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة طاف بالبيت، وفيه جماعة من أشراف قريش فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تروني صانعًا بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم فاصنع بنا صنع أخ كريم" فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ومثلي ومثلكم، كما قال يوسف لأخوته: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وهذا دليل على أنهم بالعفو آمنوا إلا بالصلح.

قالوا: ولأن أم هانئ أمنت يوم الفتح رجلين فهو علي بن أبي طالب بقتلهما، فمنعته. وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" ولو كان صلحًا لاستحقا الأمان لا بالإجارة، ولما استجاز على أن يهم بقتلهما.

قالوا: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كل البلاد فتحت بالسيف إلا المدينة، فإنها فتحت بالقرآن، أو قالت بلا إله إلا الله، فدل على أن مكة فتحت بالسيف عنوة.

قالوا: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله حبس الفيل عن مكة وسلط عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>