لمشرك أن يدخل المسجد الحرام" ولأنه مال حقنت به دماؤهم فوجب أن يسقط بإسلامهم كالجزية علي الرؤوس. فأما خراج أرض السواد فليس بجزية وهو أجرة أحد الوجهين، وثمن في الوجه الثاني علي ما قدمناه من اختلاف أصحابنا فيه، فافترقا، وهكذا لو باعوا أرضهم علي مسلم سقط خراجها عنه كما يسقط عنه بإسلامهم.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا بأس أن يكتري المسلم من أرض الصلح كما يكتري دوابهم والحديث الذي جاز عن النبي صلي الله عليه وسلم "لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك يدخل المسجد الحرام إنما هو خراج الجزية وهذا كراء".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: "إذا كانت أرض الصلح ملكا للمشركين، وعليها خراج للمسلمين جاز للمسلم أن يستأجرها، ولا يكره له ذلك، وكرهه الإسلام لقول النبي صلي الله عليه وسلم "لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج، ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام".
ودليلنا علي إباحته وعدم كراهته: ما روى أن الحسن بن علي عليهما السلام استأجر قطعة كبيرة من أرض الخراج، وكذلك روى ابن مسعود ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وليس يعرف لهم مخالف، ولأنه لما يكره أن يستأجر منهم غير الأرضين من الدواب والآلات لم يكره أن يستأجر منهم الأرضين.
فأما الخبر فلا دليل فيه، لأن الخراج يؤخذ من مؤجرها، والأجرة تؤخذ من مستأجرها، فإن شروط الخراج علي مستأجرها صح إن كان معلوما، وكان أجرة في حق المستأجر وخراجا في حق المؤجر.
فصل:
فإن باع المشرك أرضه هذه علي مشرك صح، كان خراجها باقيا، وإن باعها علي مسلم صح البيع، وسقط الخراج بانتقالها إلي ملك المسلم كما لو كان مالكها من المشركين قد أسلم.
وقال: بيعها علي مسلم باطل، لأنه مفض إلي سقوطه ما استحقه المسلمون عليها من الخراج، وهذا باطل لقول الله تعالي {وَأَحَلَّ الله اُلْبَيْعَ}[البقرة: ٢٧٥].
ولأن كل ما صح بيعه من مشرك كسائر الأموال، ولأن المسلم لو باع أرضه علي مسلم صح، إن أفضي إلي إسقاط العشر، فلأن يجوز بيع أرض المشرك علي المسلم وإن أفضي إلي إسقاط الخراج أولي، وفيه انفصال، فإذا ثبت خراجها علي أهل الصلح، فإن بذلوه وإلا نبذ إليهم عهده، وهذا خطأ من وجهين: