الجزية، وإن شرط الإمام عليه عند دخوله أنه إن أقام حولًا أخذت منه الجزية، فأقام حولا وجبت عليه الجزية، ولو شرط عليه أنه إن أقام حولا جعل نفسه من أهل الذمة، فاستكمل حولا لم يصر من أهل الذمة إلا باختياره.
والفرق بين المسألتين: أن الشرط في الأولى للإمام فالتزمه الحربي بغير اختياره، وفي الثانية للذمي فلم يلزمه إلا باختياره.
وسوى أبو حنيفة بينهما في اللزوم، والفرق يمنع من استوائهما.
فرع:
وإذا غزا صبيان لا بالغ فيهم أو نساء لا رجل بينهن أو عبيد لا حر معهم، وغنموا أخذ الإمام خمس غنيمتهم، وفي أربعة أخماسها وجهان أشار إليهما ابن أبي هريرة:
أحدهما: أن يقسم جميعه بينهم باسم الرضخ، وإن كان في حكم السهام، وليسوي بينهم فيه كأهل السهام.
والثاني: أنه يحبس بعضه عنهم بحسب ما يؤديه اجتهاده إليه، لئلا يساووا فيه أهل السهام، وتقسم الباقي بينهم بحسب ما يراه من مساواة وتفضيل.
فصل:
وإذا حاصر الإمام بلدا أو قلعة في دار الحرب، ثم صالحهم على تحكيم رجل من المسلمين، ليحكم فيهم بما يؤديه اجتهاده إليه إذا كان من أهل الاجتهاد مستوفيا لشروط الحكام، وهي البلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام، والذكورية، والعلم.
فإذا استكمل هذه الشروط السبعة صح أن يحكم فيهم برأيه كما حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ في بني قريظة، فحكم أن من جرت عليه الموسى قتل، ومن لم تجر عليه استرق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "هذا حكم الله من فوق سبع أرقعة، وهي سبع سماوات"، وإن أخل بشرط منها فقد شرط من شروط الحاكم الذي ينزل على حكمه لم يجز أن يحكم فيهم، فإن كان هذا المحكم فيهم أعمى جاز تحكيمه، وإن كان لا يجوز أن يكون حاكمًا في عموم الأحكام؛ لأنه يحكم بما اشتهرت فيه أحوالهم، وتظاهرت به أخبارهم، فاستوي فيها الأعمى والبصير، كما يستويان في الشهادة بما تعلق باستفاضة الأخبار، فإن صلحوا على تحكيم غير معين، ليقع الاختيار له، أو التعيين عليه من بعد لم يخل من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون موقوفًا على اختيار المسلمين له، فيصح.
والثاني: أن يكون موقوفًا على اختيار المشركين له، فلا يصح.
والثالث: أن يكون موقوفًا على اختيار المسلمين والمشركين، فيصح؛ لأن بني قريظة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تحكيم سعد بن معاذ فأجابهم إليه، فإن اتفق المسلمون والمشركون على اختياره انعقد تحكيمه ونفذ فيهم حكمه، وإن اختلفوا لم ينعقد تحكيمه،