وأعيدوا إلى مأمنهم حتى يستأنفوا اختيارًا أو صلحًا، فإن صولحوا على تحكيم أسير في أيديهم نظر.
فإن كان في وقت اختياره للتحكيم أسيرًا لم يصح تحكيمه؛ لأنه مقهور لا ينفذ حكمه، وإن كان قد أطلق قبل تحكيمه كرهناه حذرًا للممايلة وصح تحكيمه لأن دينه يمنعه من المقابلة، وهكذا لو عقد التحكيم على رجل منهم قد أسلم قبل التحكيم جاز وإن كره.
وإذا انعقد الصلح على تحكيم رجلين جاز؛ لأن اجتهادهما أقوى ونفذ حكمهما إن اتفقا عليه، ولم ينفذ إن اختلفا فيه، وإذا مات الحكم قبل حكمه، أو استعفي واعتزل أعيدوا إلى مأمنهم حتى يستأنفوا صلحا على تحكيم غيره.
فإذا تقررت هذه الجملة وانعقد التحكيم على رجل بعينه اجتهد رأيه في الأصلح للمسلمين دون المشركين لعلو الإسلام على الشرك، فإن أداه اجتهاده إلى قتل رجالهم، وسبي ذراريهم جاز ولزمهم حكمه كالذي حكم له سعد في بني قريظة، فإن رأى الإمام بعد ذلك المن على من حكم بقتله من رجالهم جاز، وإن رأى المن على من حكم بسبيه من ذراريهم نظر.
فإن كان بعد استرقاقهم لم يجز إلا بمراضاة الغانمين كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سبي هوازن حين من، وإن كان قبل استرقاقهم جاز؛ لأن سعدا لما حكم في بني قريظة بالقتل والسبي، جاء ثابت الأنصاري، فقال: يا رسول الله، إن الزبير بن باطأ اليهودي عندي، وقد سأل أن نهب له دمه وماله، ففعل ووهب له دمه وماله. وإن رأى الإمام أن يسترق رجالهم أو يأخذ فداهم لم يجز إلا عن مراضاتهم؛ لأنه نقض حكم نفذ بالاستئناف لحكم مجدد، ولو كان المحكم فيهم قد حكم بالمن على رجالهم وذراريهم نفذ حكمه إذا أداه اجتهاده إليه، ولم يجز للإمام أن يفسخ حكمه عليه، وإن حكم عليه بالفداء لم يلزمهم حكمه إن كان المال غير مقدور عليه؛ لأنه عقد معاوضةً لا يلزم إلا عن مراضاةً، ولزمهم حكمه إن كان المال مقدورًا عليه؛ لأنه حكم منه بغنيمة ذلك المال، فنفذ حكمه به، وإن حكم باسترقاقهم صاروا بحكمه رقيقًا ولم يجز للإمام أن يمن عليهم إلا باستطابة نفوس الغانمين، وإن حكم عليهم بالجزية وأن يكونوا أهل ذمة لم يلزمهم حكمه بذلك؛ لأنها عقد معاوضةً لا يصح إلا عن مراضاةً، ولو حكم بقتلهم، فأسلموا سقط القتل عنهم، ولم يجز استرقاقهم، ولو حكم استرقاقهم، فأسلموا لم يسقط استرقاقهم؛ لأنه يجوز استرقاقهم بعد إسلامهم، ولا يجوز قتلهم بعد إسلامهم وبالله التوفيق.