للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى ما خالفها، ولم ينسخ منها ما وافقها، وإنما نسخ الإسلام جميع ما تقدمه من الشرائع.

فإذا ثبت ما نسخ به كل شريعة، فمن دخل في دين بعد نسخه لم يقر عليه، لعدم حرمته عند دخوله فيه، فصار كعبدة الأوثان في عدم الحرمة.

وقال المزني: يقر الداخل فيه بعد نسخه كما يقر الداخل فيه قبل نسخه وتبديله، لقول الله تعالى: {ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١].

وهذا فاسد بما عللنا به من عدم الحرمة فيما دخل فيه.

وقوله {ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١]. يعني في وجوب القتل؛ لأن من تولاهم منا مرتد لا يقر على ردته.

وأما القسم الثالث: وهو أن يدخلوا فيه بعد التنزيل وقبل النسخ، فعلى ثلاثة أقسام:

أحدهما: أن يدخلوا فيه مع غير المبدلين مثل الروم، فيكونوا كالداخل فيه قبل التبديل في إقرارهم بالجزية ونكاح نسائهم وأكل ذبائحهم؛ لأن حرمته في غير المبدلين ثابتة.

والثاني: أن يدخلوا فيه مع المبدلين كطوائف من نصارى العرب، فيكونوا كالداخل فيه بعد النسخ.

والثالث: أن يشكل حال دخولهم فيه هل كان مع المبدلين أو مع غير المبدلين، أو يشكل هل دخلوا قبل التبديل أو بعد التبديل كتنوخ وبهراء وبني تغلب، فهؤلاء قد وقفهم الإشكال بين أصلين:

أحدهما: يوجب حقن دمائهم واستباحة نكاحهم، كالداخل فيه مع غير المبدلين.

والثاني: يوجب إباحة دمائهم، وحظر مناكحهم كالداخل فيه مع المبدلين، فوجب أن يغلب في الأصلين معا حكم الحظر دون الإباحة، فيقروا بالجزية حقنا لدمائهم: لأن أصل الدماء على الحظر، ولا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم: لأن أصل الفروج على الحظر، والحظر تعيين، والإباحة شك، فغلب حكم اليقين على الشك، وصاروا في ذلك كالمجوس، فهذا حكم الكتاب المشهور، والدين المعروف.

فصل:

وأما الضرب الثاني: وهو من ادعى كتابًا غير مشهور، ودينًا غير كالزبر الأولى، والصحف المتقدمة.

فإن قيل: إنه لا يجري عليهم حكم أهل الكتاب، لم يقروا على دينهم وإن تحققنا كتابهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>