الإسلام بجزيةً يؤدونها عن رقابهم في كل عام، وهو أوكد العقود الأربعة: لأنها موافقة لها من وجهين، ومخالفةً لها من وجهين، وزائدةً عليها من وجهين.
فأما الوجهان في الموافقة:
فأحدهما: الأمان.
والثاني: كفهم عن مطاولة الإسلام.
وأما الوجهان من المخالفة:
فأحدهما: اختصاص الذمة بأهل الكتاب، وعموم ما عداها في أهل الكتاب وغير أهل الكتاب.
والثاني: وجوب الجزية على أهل الذمة، وسقوطها عن غير أهل الذمة. وأما الوجهان في الزيادة:
فأحدهما: أن عقد الذمة مؤبد، وما عداه مقدر، فإن قدرها بمدة فهي ناقصةً عن حكم الكمال، ويتقدر أقلها بسنة يستحق فيها الجزيةً، ولا يتقدر أكثرها بالشرع، وتتقدر بالشرط، وإن زادت على مدة الهدنة أضعافًا لأنها لما انعقدت على الأبد جاز أن تعقد مقدرةً بأكثر الأبد.
والثاني: أن عقد الذمة يوجب الذب عنهم من كل من أرادهم من مسلم وكافر، وما عداه يوجب ذب المسلمين عنهم دون غيرهم.
فإن عقدها لأهل الذمة على أن لا يذب أهل الحرب عنهم نظر. فإن كانوا في بلاد الإسلام لم يجز، وإن كانوا في بلاد الحرب جاز؛ لأن التمكين منهم في بلاد الإسلام تسليط لأهل الحرب على المسلمين، ولو عقد العهد على أن يمنع أهل الحرب عنهم، فإن كانوا في بلاد الإسلام جاز، وإن كانوا في دار الحرب لم يجز إلا بشرطين:
أحدهما: أن يعلم الإمام من نفسه قوة على المنع.
والثاني: أن يعقدها على مال يبذلونه.
فإن عدم أحد الشرطين لم يجز.
فأما جريان أحكامنا عليهم جريان أحكام الإسلام على أهل الذمة، فقد قال الشافعي في تأويل قول الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]. إن الصغار أن يجري عليهم أحكام الإسلام، وله في المراد بهذه الأحكام قولان:
أحدهما: التحكم بالقوة والاستطالة.
والثاني: الأحكام الشرعية.
فعلى الأول لا تلزمهم أحكامنا.
وعلى الثاني تلزمهم أحكامنا، ولا تلزم من عداهم قولًا واحدًا، ولا يتولى عقد الذمة إلا الإمام، وإذا بذلوا الجزية وجب على الإمام أن يعقد لهم الذمة.