الإمام كان عامًا في بلاد ولايته ولا يكون عامًا في بلاد الإسلام كلها، لأن ولاية الإمام عامة، وولاية النائب عنه خاصة، وإذا كان أمانه من جهة واحد من المسلمين كان أمانه مقصورًا على بلده خاصة وفيما كان طريقًا له إلى دار الحرب، لأن الأمان يقتضي عوده إلى مأمنه، ولا يكون له أمان أن يتجاوز ذلك إلى غيره من بلاد الإسلام، وإذا دخل حربي دار الإسلام وادعى أنه دخلها بأمان مسلم، فإن كان من ادعى أمانه حاضرًا رجع إلى قوله، فإن صدقه على الأمان قبل قوله؛ لأنه لو أمنه في حال تصديقه صح أمانه، وإن أكذبه على الأمان كان الحربي مغنومًا، وإن كان من ادعى أمانه غائبًا ففي قبول قول الحربي وجهان:
أحدهما: يقبل قوله، ويكون آمنًا كما يقبل قول من ادعى الرسالة.
والثاني: لا يقبل وإن قبل في الرسالة؛ لأن إقامة البينة على الرسالة متعذر قبل قوله فيها، وإقامته على الأمان ممكنة، فلم يقبل قوله فيه.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى:"فإن دخلوا بأمان وشرط عليهم أن يؤخذ منهم عشر أو أقل أو أكثر أخذ".
قال في الحاوي: وجملته أنه يجب على الإمام أن يشترط في متاجر أهل الحرب إذا دخلوا في بلاد الإسلام لمنافعتهم، وكان انقطاعها عن المسلمين غير ضار بهم حتى يأخذه الإمام منهم من عشر أو أقل أو أكثر بحسب ما يؤديه اجتهاده إليه يكون عبئًا مصروفًا في أهل الفيء؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صالح أهل الحرب في حمل متاجرهم إلى بلاد الإسلام على العشر، وصالح أهل الذمة في حملها إلى المدينة على نصف العشر ليكون ذلك ضعف ما يؤخذ في زكاة المسلم من ربع العشر، ولأن الإمام مندوب إلى توفي ما يصل إلى المسلمين من أموال المشركين إما بغنيمة إن قهروا، وإما بجزية وخراج إن صولحوا، فكذلك عشر أموالهم إذا اتجروا، وإن كان ذلك من الشروط الواجبة عليهم كان العرف الذي عمل به الأئمة العشر، وليس بجد لا يجوز مجاوزته إلى زيادة أو نقصان؛ لأنه موقوف على ما يؤدي إليه الاجتهاد المعتبر من وجهين:
أحدهما: في كثرة الحاجة إليه وقلتها، فإن كثرت الحاجة إليه كالأقوات كان المأخوذ منه أقل، وإن قلت الحاجة إليه كالطرف والدقيق كان المأخوذ منه أكثر، فإن عمر