فيه الإمام ما يراه من الأمور الأربعة، لأن في هذه الرسالة مضرة، وفي الأولى منفعة فصار بالمنفعة مواليًا، فأمن وبالمضرة معاديًا، فغنم.
فلو ادعى وقد دخل بلاد الإسلام أو رسول نظر في دعواه.
فإن علم صدقه فيها كان آمنا، وإن علم كذبه فيها كان مغنومًا وإن أشبهت حاله قبل قوله، وكان آمنا، ولم يلزم إحلافه على الرسالة، لأنه مبلغ {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}[المائدة: ٩٩].
ولا يجوز إذا دخل الرسل بلاد الإسلام أن يظهروا فيها منكرًا من صلبانهم، وخمورهم وخنازيرهم، وجوز لهم أبو حنيفة إظهار خمورهم وخنازيرهم؟ لأنها عنده من جملة أموالهم المضمونة الاستهلاك وهذا فاسد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الإسلام يعلو ولا يعلى".
والثانية: أن يكون لهذا الداخل من دار الحرب أمان يدخل به دار الإسلام، فيصير آمنا على نفسه وماله، ولا ينبغي أن يتولاه إلا الإمام أو من ناب من أولي الأمر؛ لأنه أعرف بالمصلحة من أشذاذ وأقدر على الاحتراز من كيده، فإن قدر له الإمام مدة الأمان أقر عليها إلى انقضائها ما انتهت إلى أربعة أشهر، ولا يبلغ به سنة إلا بجزية، وفيما بين الأربعة أشهر والسنة قولان مضيا.
ولا تنقض علبه مدة أمانه، ولا يخرج قبل انقضائه إلا بموجب لنقض الأمان، لوجوب الوفاء بالعهود، فإن كان الذي أمنه في دخوله رجل من جملة المسلمين كان أمانه مقصورًا على حقن دمه وماله دون مقامه، ونظر الإمام في حاله، فإن رأى من المصلحة إقراره أقره على الأمان، وقرر له مدة مقامه، ولم يكن لمن أمنه من لمسلمين تقدي مدته، وإن لم ير الإمام من المصلحة إقراره، في دار الإسلام أخرجه منها آمنًا حتى يصل إلى مأمنه ثم يصير حربًا، فيكون أمان المسلم له موجبًا لحقن دمه ولمقامه، وإقراره، فافترقا في الحكم من وجه، واجتمعا فيه من وجه.
فصل:
وإذا دخل الحربي بأمان الإمام ثم عاد إلى دار الحرب انقضى حكم أمانه فإن عاد ثانية بغير أمان غنم حتى يستأنف أمانًا، لأنه خاص، فلم يتكرر، فلو عقد له الأمان على تكرار الدخول صح اعتبارًا بصريح العقد، وكان في عوده وتردده آمنًا يقيم في كل دفعة ما شرك له من المدة وإذا كان أمان الحربي من قبل الإمام كان عامًا في جميع بلاد الإسلام إلا أن يجعله مقصورًا على بلد بعينه؛ فلا يصير آمنًا في غيره، وإذا كان أمانه ممن استنابه