فيه مخيرًا كتخييره في الأسير بين الأحكام الأربعة من القتل أو الأسر أو الممن أو الفداء، ويجوز أن يعفو من سبي ذريته بخلاف السبايا في الحرب؛ لأن الغانمين قد ملكوهم؛ فلا يصح العفو عنهم إلا بإذنهم، وذرية هذا الداخل بغير عهد لم يملكهم أحد، فجاز عفو الإمام.
فأما من دخل دار الإسلام بأمان، فضربان: أهل ذمة، وأهل عهد. فأما أهل الذمة، فهو المستوطن، ولا يجوز استيطانهم إلا بجزية إذا كانوا من أهل كتاب، أو شبهة كتاب.
وأما أهل العهد، فهو الداخل إلى بلاد الإسلام بغير استيطان، فيكون مقامهم مقصورًا على مدة لا يتجاوزونها، وهي أربعة أشهر لقول الله تعالى:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أربعة أَشْهُرٍ}[التوبة: ٢].
فأما مدة سنة، فلا يجوز أن يقيموها إلا بجزية، وفي جواز إقامتهم بغير جزية فيما بين أربعة أشهر وبين سنة قولان:
أحدهما: يجوز لأنها دون السنة كالأربعة.
والثاني: لا يجوز، لأنه فوق الأربعة كالسنة، وسواء كانوا من أهل كتاب أو لم يكونوا.
مسألة:
قال الشافعي: رحمه الله تعالى: "ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد الإسلام تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا".
قال في الحاوي: وهذا صحيح. يجب على الإمام أن يراعي ثغور المسلمين المتصلة بدار الحرب من دخول المشركين إليها؛ لأنهم لا يؤمنون عليها من غرة يظفرون بها أو مكيدة يوقعونها، ومن دخلها منهم، فهو حرب مغنوم يتحكم الإمام فيه بخياره من قتله أو استرقاقه أو فدائه أو المن عليه إلا في حالتين:
أحدهما: أن يكون رسولًا للمشركين فيما يعود بمصلحة المسلمين من صلح يجدد أو هدنة تعقد أو فداء أسرى؛ لقول الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَامَنَهُ}[التوبة: ٦].
قيل: إنها في المرسل فيكون له بالرسالة أمان على نفسه وماله، لا يحتاج معها إلى استئناف أمان، إلا أن يكون رسولًا في وعيد وتهديد، فلا يكون أمان، ويكون حربًا يفعل