للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في الحاوي: أما دين العرب، فلم يكونوا أهل كتاب، وكانوا عبدة أوثان، فجاورت طائفة منهم اليهود، فتهودوا وجاورت طائفة منهم النصارى، فتنصروا، فكان في قحطان بالشام بتنوخ وبهراء، وبنو تغلب مجاورين للنصارى، فتنصروا وأشكلت حالهم عند فتح الشام على عمر رضي الله عنه هل دخلوا في النصرانية قبل التبديل فيقرون أو بعد التبديل مع المبدلين، فلا يقرون، فغل فيهم حكم الحظر في حقن دمائهم، وتحريم مناكحهم وذبائحهم، فأقرهم على هذا، وشرط عليهم ألا ينصروا أولاهم، ثم طالبهم بالجزية حين أقرهم على النصرانية، فأبوا أنفة من ذل الجزية، وقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقة، فقال عمر: لا آخذ من مشرك صدقة فرضها الله على المسلمين طهرة فنقر بعضهم ولحق بالروم، وكان الباقون أن يلحقوا بهم، فقال عبادة بن النعمان التغلبي يا أمير المؤمنين إن للقوم بأسًا وشدة، فلا تعز عدوك بهم، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة، فأعاد من رحل إلي من أقام، وقالوا: زد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة وجعلوها جزية باسم الصدقة، تؤخذ من أموالهم الظاهرة والباطنة، كما تجب الصدقة على المسلمين في الأموال الظاهرة والباطنة من المواشي والزروع، والثماؤ، والذهب، والفضة، وعروض التجارة إذا بلغت نصابًا، ولا شيء عليهم دون النصاب، ولا في الدور والعقار، ولا في الخيل، والبغال، والحمير، فيؤخذ منهم عن كل خمس من الإبل شاتان، عن كل ثلاثين بقرة تسعين، وعن كل أربعين شاة شاتان، وعما سقته السماء من الزروع والثمار التي يجب فيها العشر الخمس، وعما سقي بنضح أو غرب يجب فيه نصف العشر العشر، وعما وجب فيه ربع العشر من الفضة والذهب نصف العشر، فيؤخذ من عشرين مثقالًا من الذهب، ومن مائتي درهم من الورق عشرة دراهم، وعما وجب في الخمس من الركاز والمعادن الخمسين، فكان لعقد صلحهم مع عمر مستقرًا على هذا، وحملهم عليه بعد عمر عثمان رضي الله عنهما وعلي عليه السلام، ولم يمنعوهم أن ينصروا أولادهم، فدل على أن اشتراط ذلك عليهم كان إرهابًا ولم يكن إلزامًا.

فصل:

فإذا تقرر ما وصفناه من صلح عمر، فهو شيء يزيد، وينقص بكثرة المال وقلته، ويجب ولا يجب بوجود المال وعدمه، ويعلم ولا يعلم بظهور المال واستطبانه، فصار مجهولًا لتبرزه بين قليل وكثير ووجوب وإسقاط، ومكتوم ومشهور.

وقد ثبت أن عمر صالحهم عليه، ولم يأخذ منهم دينار الجزية، لأنهم امتنعوا من بذل الجزية لئلا يجري عليه صغار، فصارت مضاعفة الصدقة هي الجزية مأخوذة باسم

<<  <  ج: ص:  >  >>