للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصدقة، وقد قال عمر: هؤلاء قوم حمقي، أبوا الاسم، ورضوا بالمعنى.

واختلف أصحابنا في عقد الصلح على هذا الوجه على ثلاثة أوجه:

أحدهما: يجوز حملهم عليه سواء بلغ المأخوذ من كل واحد منهم دينارًا أو نقص عنه، ومن لم يبلغ ماله نصاب الزكاة لم يؤخذ منه، ومن لم يملك مالًا مزكى، فلا شيء عليه، وهو الظاهر من فعل عمر فكان إمضاؤه على هذا، وإن نقص المأخوذ من كل واحد على الدينار؛ لأنه قد يجوز أن يزيد في وقت آخر على الدينار لما يستفيده، ويجوز أن يملك من لا ملك له، فيؤدي، فيكون الاعتبار بها لا بالدينار، ويكون ما يخاف من نقصان الدينار في وقت مجبورًا لما يرجى من الزيادة عليه في وقت.

والثاني: يجوز أن يصالحوا على هذا إذا علم أن المأخوذ من ذوي الأموال منهم يفي بدينار عن كل رأس من جميعهم، وإن لم يف بالدينار عن كل رأس لم يجز.

مثاله: أن يكونوا ألف رجل، فإن علم أن المأخوذ بمضاعفة الصدقة ألف دينار فصاعدًا جاز، وإن علم أنه أقل من دينار لم يجز، ولا يضر أن يؤخذ من بعضهم أقل من دينار إذا أخذ من غيره أكثر منه، ولا شيء على من لا مال له من مزكى؛ لأنه قد أخذ من غيره ما جبره، فصار بدلًا منه، وحمل قائل هذا الوجه صلح عمر على أنه علم كثرة أموالهم، وأن المأخوذ من ذوي الأموال يفي بجزية جميعهم.

والثالث: وهو الظاهر من مذهب الشافعي بأنه يجوز حملهم عليه إذا بلغ المأخوذ من كل واحد منهم دينارًا فصاعدًا، فإن نقص عن الدينار أخذ منه تمام الدينار، ولا يجبر بزيادة غيره، ومن لم يملط نصابًا مزكى، أخذ منه دينار الجزية، ولم يسقط عنه بأخذها من غيره، لأن أهل الذمة لا يجوز أن يقروا في دار الإسلام على التأبيد بغير جزية، ولا يجوز أن ينقص واحد منهم عن دينار الجزية، وحمل صلح عمر على أنه علم أن جميعهم أغنياء، لما شاهده من كثرة أموالهم، وأنه ليس فيهم من يعجز عن المأخوذ منه عن الدينار، وهذا الوجه هو الأقيس والأول هو الأشبه بصلح عمر.

فصل:

فإذا ثبت ما ذكرنا كانت مضاعفة الصدقة مأخوذة من أموال الرجال دون النساء والصبيان.

وقال أبو حنيفة: آخذها من الرجال والنساء دون الصبيان، احتجاجًا بأن ما أخذ باسم الصدقة، وكان النصاب فيه والحول فيه معتبرين اشترك فيه الرجال والنساء كالزكاة على المسلمين، وخرج منه الصبيان، لأنه لا زكاة عليهم.

ودليلنا: هو أن المأخوذ بالإقرار على الكفر جزية فوجب أن يختص بالرجال دون النساء كالدينار، ولأن النساء محقونات الدماء، فلم تضاعف صدقة الجزية كالصبيان

<<  <  ج: ص:  >  >>