ورأيت بعض أصحابنا أطلق وقال: في المسألة وجهان. وقال في اللبن: إذا طهر ظاهره دون باطنه فحمله في صلاته، هل تجوز صلاته؟ والصواب ما ذكرنا، ومثل هذا الارتكاب لا يحتمل التخريج عليه.
مسألة: قال: ولا بأس أن يمر الجنب في المسجد".
الفضل
وهذا كما قال: الأحداث على ثلاثة أضرب: حدث يمنع الصلاة دون القراءة والجماع، وهو الحدث الأصغر، فلا يمنع الاجتياز في المسجد ولا اللبث فيه.
وحدث يمنع الصلاة والقراءة دون الجماع، وهو الجنابة، فهذا الجنب إذا أراد الاجتياز في المسجد نظر، فإن كان لغرض كطلبه إنساناً في المسجد والعبور فيه لقرب الطريق، فهذا مباح، وان كان لغير غرض، فينبغي أن لا يفع، فإن فعل لم يكن فيه كبير كراهة.
ومن أصحابنا من سوى [١٨٢ أ / ٢] بين وجود الغرض وعدمه، وأما اللبث فيه فممنوع بكل حال، وان أجنبه، وهو فيه خرج منه من غير لبث فيه، وبه قال سعيه بن المسيب والحسن وعطاء رحمهم الله تعالى، وقال مالك وأبو حنيفة: "لا يجوز له العبور فيه".
وقال أحمد وإسحق: "إذا توضأ جاز له اللبث فيه"، وقال داود والمزني: "يجوز له اللبث فيه، وإن لم يتوضأ"، واختاره ابن المنذر وهذا غلط، لأن الله تعالى قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}[النساء: ٤٣].
قال الشافعي: لا تقربوا مكان الصلاة، وهو المسجد، كما قال تعالى:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ}[الحج: ٤٠]. وأراد مواضع الصلاة. وقوله:{إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} أي: إلا أن تجتازوا.
وروي عن جابر رضي الله عنه، قال: كان أحدنا يمر في المسجد، وهو جنب مجتازاً، ولا يفعلون مثل هذا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذنه، ولأنه يجوز المبيت في المسجد فلو لم يجز العبور فيه جنباً، لم يجز ذلك، لأن النوم فيه يؤدي إلى هذا، وقد قال أبو حنيفة: "إذا احتلم فيه يخرج مجتازاً".
وقال الثوري "يتيمم، ثم يخرج". ويحكى عن أبي حنيفة أيضا هذا، واحتج أيضا بما روى زيد بن أسلم، قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثون في المسجد، وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل المجد، فيتحدث". قلنا: يحمل على أنه كان يتحدث مجتازاً أو نسخ ذلك.
وحدث يمنع الصلاة والقراءة والجماع أيضا، وهو الحيض والنفاس، فينظر فيها،