كتاب القاضي إليه فضه وقرأه والأولى أن يفضه ويقرأه بمحضر المطلوب فإن قرأه بغير محضر منه جاز خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: لا يجوز أن يفضه ويقرأه قبل حضوره بناءً على أنه لا يقضي على الغائب عنده، وهذا لا يصح لأنه لا يتعلق بالقراءة حكم ولا إلزام، فإذا قرأه القاضي سأل الشاهدين عما فيه سؤال استشهاد لأن بهذه الشهادة يجب الحكم بما في الكتاب [١٣ ب/ ١٢] ولا يجوز أن يكون هذا إلا بعد حضور الخصم غالبًا عند الاستخبار، ويجب أن يكون حاضرًا عند الاستشهاد، فلو اقتصر القاضي على الاستشهاد دون الاستخبار جاز، ولو اقتصر على الاستخبار دون الاستشهاد لم يجز لاختصاص الحكم بالشهادة دون الخبر والأولى بالقاضي أن يجمع بينهما على ما ذكرنا ليكون الاستخبار لاستباحة قراءته والاستشهاد لوجوب الحكم به فإذا ثبتت الشهادة بصحة الكتاب وقبله بالشاهدين وقع خطه فيه بالقبول وحكم به على المطلوب.
فإن كان الكتاب بعين قائمة من أرض جاز أن يرد الكتاب إلى الطالب ليكون حجة باقية في يده فإن سأل الطالب الإشهاد على نفسه بقبوله والحكم بمضمونه لزمه، وإن كان الكتاب بدين في الذمة فاستوفاه القاضي فطالبه لم يجز أن يرد الكتاب إلى الطالب لنه قد سقط حقه به، والمقصود بالكتاب حفظ ما فيه من نسيان أو خطأ، وبالختم الاحتياط والتكرمة، وقد قيل في تأويل قوله تعالى:{إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}[النمل:٢٩] أي أنه مختوم والمعمول به عليه فيه ما يشهد به شاهدان.
فإن انكسر الختم قال الشافعي رضي الله عنه:
شهدوا بعلمهم عليه لأن المعوّل على شهادتهم دون الكتاب والختم خلافًا لأبي حنيفة، وقال الحسن بن زياد: أراد أبو حنيفة إذا لم يحفظ الشهود ما فيه [١٤ ا/ ١٢] وكذلك لو ضاع الكتاب فلا بأس لأن الاعتماد على حفظ الشهود دون نفس الكتاب خلافًا لأبي حنيفة.
وكيفية الشهادة.
أن يشهدوا أن فلان ابن فلان القاضي كتب إليك بكذا وأشهدنا على ذلك، ولو كان الكتاب باقيًا فأراد الشاهدان أن يشهدا بما فيه ولا يوصلانه حرم إمساكه عليهما ولم يمنع من صحة شهادتهما لأن الكتاب أمانة مؤداة في أيديهما، فإن انمحق ما في الكتاب لم يلزمه إيصالهما لأنه ليس بكتاب، وإن انمحق بعضه لزم إيصاله إن بقى أكثره، وإن لم يبق أكثره لا يلزمه.
ولو تغيرت حال القاضي الكاتب بما يمنعه من الحكم فيكون ذلك بأحد أربعة أمور: بموتٍ أو عزلٍ أو جنونٍ أو فسقٍ فإن كان بموتٍ أو عزلٍ فعند الشافعي رضي الله عنه حكم كتابه ثابت وقبوله واجب وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: لا يقبل وسقط حكم كتابه، وقال بعض أصحابنا بخراسان: إن كان بسماع البينة خرج بموته عن أن يكون