بينة وهو غلط، وقال أبو يوسف: إن مات قبل خروج الكتاب من يده سقط حكمه، وإن مات بعد خروج الكتاب من يده يقبل ويعمل عليه.
ووجه الاختلاف أن أبا حنيفة أجرى عليه حكم الفرع اعتبارًا بمن شهد عنده، والشافعي رضي الله عنه أجرى عليه حكم الأصل اعتبارًا بمن أشهد على نفسه واعتباره بالأصل أولى من اعتباره بالفرع، لأنه لكا كان فرعًا لأصل وأصلًا لفرع كان اعتبار حكم الجاني أولى من اعتبار حكم قد زال لأن المعوّل في الكتاب على الشاهدين اللذين يشهدان على الحاكم وهما حيان.
موت الحاكم بمنزلة موت شاهدي الأصل أو شهدا على شهادتهما ثم ماتا، فإن الشهادة لا تبطل.
وإن تغيرت بفسق أو جنون، فإن كان الكتاب بحكم أمضاه ويقبل، وإن كان بشهادة ثبتت عنده فإن تغيرت حاله بعد قبول كتابه ثبت حكمه، وإن تغيرت قبل قبوله سقط حكمه كالشهادة على الشهادة إذا فسق فيه شهود الأصل بعد قبول شهادة الفرع صحت، ولو فسقوا قبل قبول شهادة الفرع سقطت الشهادة.
ولو تغيرت حال القاضي المكاتب سقط أن يكون قابلًا أو حاكمًا به، وهل يجوز لمن تقلده بعده أن يقوم مقام الأول في قبوله؟ فيه وجهان: أحدهما: وهو مذهب البصريين وبه قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يجوز لأن كتاب القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة عند المكتوب إليه، وإذا شهد شاهدان عند قاضٍ لم يحكم بشهادتهما غيره، والثاني: يجوز وهو مذهب البغداديين لأن المعمول من الكتاب ما يؤديه شهوده من حكم الأول بمضمونه فكان ثبوت الشهادة عند القاضي كثبوتها عند الأول، وحكي أن قاضيًا [١٢/ ١٥ أ] بالكوفة كتب إلى إياس بن معاوية وهو قاضي البصرة كتابًا بحكم فوصل بعد عزل إياس بن معاوية وولى الحسن البصري فقبله الحسن وحكم به.
ولو كان أحد القاضيين من قبل الآخر فتغيرت حال المولى بموتٍ أو عزلٍ لم يعزل المولى وليس له أن يقبل كتابه، ولو كان القاضي واليًا من قبل الخليفة فمات الخليفة لم ينعزل به القاضي وجاز له قبول كتابه.
والفرق أن الخليفة يستنيب القاضي في حق المسلمين لا في حق نفسه فلم ينعزل بموته بخلاف القاضي مع خليفته فعلى هذا الفرق يجوز للقاضي أن يعزل خليفته بغير موجب.
قال صاحب "الحاوي": وهذا قول الجمهور ولأن موت الخليفة لو عزل القضاة أدى إلى وقوف الأحكام في جميع الدنيا وفي ذلك ضرر عظيم وليس كذلك موت القاضي فإنه لا يؤدي إلى ذلك وهذا اختيار أبي إسحاق وابن أبي هريرة وصاحب "الإفصاح"، وقال القاضي الطبري: لا يختلف أصحابنا في الخليفة أنه إذا مات أو خلع