اعلم أن عنوان الكتاب في داخله عرف قديم، وعلى ظاهره عرف مستحدث، والعرف المعمول به أولى من العرف المتروك، وليس يجمع بينهما في عصرنا إلا في كتب الخلفاء خاصة.
واعلم أن العرف في عصرنا مستعمل باستيفاء النسب في العنوان من الأدنى إلى الأعلى وبالاقتصار فيه من الأعلى إلى الأدنى.
فأما ما يبدأ به في العنوان من اسم الكاتب والمكاتب فقد جاءت الأخبار باستعمال الأمرين في عصر الصحابة، فروي أن العلاء بن الحضرمي كان يبدأ باسمه في مكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم فيكتب من العلاء بن الحضرمي إلى محمد رسول الله وكان خالد بن الوليد يكتب لمحمد رسول الله من خالد بن الوليد ويكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم من محمد رسول الله إلى خالد بن الوليد فمن بدأ باسمه فهو على الأصل لأنه من الكاتب إلى المكاتب ومن قدم اسم المكاتب فلتعظيمه، وعرف الناس في عصرنا في كتب الملوك فمن دونهم أن يقدم في كتبهم اسم المكاتِب على اسم المكاتَب إلا الخلفاء خاصة فإنهم يقدمون في كتبهم أسماءهم على أسماء المكاتب فأي الأمرين عمل عليه في كتب القضاة ففيه سلف متبوع وقد صار تقديم اسم الكاتب في عصرنا مستنكرًا فكان العمل بما لم يتناكر أولى وإن جاز خلافه.
فرع آخر
قال بعض الفقهاء: كتب الخلفاء والأمراء إلى القضاة تقبل من غير شهادة في التجمل والأداء للعرف المستمر وصيانة السلطان على تكلف ما يباشر غيره وهذا فاسد لأنه لما لم تنفذ كتب القضاة في الأحكام إلا بالشهادة مع ظهورهم كان كتب الخلفاء والأمراء مع احتجابهم أولى ولأن القضاة فرع الخلفاء وحكم الأصول إن لم يكن أقوى لم يكن أضعف، فأما كتبهم في الأوامر والنواهي دون الأحكام والحقوق فمقبولة على ما جرت به العادة في أمثالها مختومة مع الرسل الثقات لأنها تنتشر ولأن التزوير فيها يظهر والختمة فيها تمنع التزوير، والاستدراك فيها ممكن بخلاف كتب الحكم.
فرع آخر
قال أبو حنيفة: لا يقبل كتاب قاضي الرستاق والقرية وجعل قبول الكتب موقوف على قضاة الأمصار لأنهم أحفظ لنظام الأحكام وهذا لا يصح لأن لقبول كتب القضاة شروطًا إن وجدت تقبل وإلا فلا تقبل فلا فرق بين القضاة في ذلك.
فرع آخر
لو كتب قاضي أهل البغي فإن كان من الخطابية لا يقبل، وإن كان ممن تقبل شهادته