طلب صاحبها القضاء بها فوجب أن يلزمه القضاء بها كما لو كان حاضرًا, أو كما لو كان له تعلق بالحاضر وقد قال أبو حنيفة رحمه الله: لو ادعت أن لها زوجًا غائبًا وله مال في يد رجل وهي محتاجة إلى النفقة, واعترف لها بذلك فإن القاضي يقضي لها عليه بالنفقة.
وحكي عن أبي عبيدة أنه قال: يجوز القضاء على الغائب إن تبين للحاكم أن فراره واستخفاءه للفرار من الحق والمعاندة للخصم.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن أقل ما يجزيه أن يحلفه [١٢/ ٢٢ أ] أن حقه هذا الثابت عليه, وإذا حكم الحاكم ينظر فإن كان ادعى عينًا حاضرة سلمها إليه لأنه قد ثبت استحقاقه لها, وإن كان أدى حقًا في الذمة نظر فإن كان له مال من غير جنسه بيع وقضى الحق من ثمنه, وإن لم يكن له مال حاضر أو كان قد ادعى عينًا غائبة فقال الخصم: اكتب لي كتابًا إلى حاكم البلد الذي هو فيه بما ثبت عندكم كتب له كتابًا صفته بسم الله الرحمن الرحيم, حضر فلان ابن فلان ويرفع في نسبه وذكر قبيلته وصناعته بما يتميز عن غيره فادعى ضامن صفته كذا على فلان ابن فلان وأقام شاهدين فلان وفلان فشهدا بعد ما عرفنا الشهود عليه من اسمه ونسبه وقد عرفت عدالتهما وحلفته على الحق وحكمت عليه به, وسألني أن أكتب له بذلك محضرًا.
ثم لا يخلو إما أن يقدم الغائب قبل وصول الكتاب على الحكام أو لا يقدم, فإن قدم فجاء المدعي إلى الحاكم واستعداه عليه وسأله إحضاره فعل ذلك فإن أحضره أخبره بما جرى, فإن أقر بالحق ألزمه إياه, وإن أنكر وقال: لا حق له علي لم يلتفت إلى إنكاره, فإن ادعى القضاء قيل له: ثبت الحق بالبينة, وحلف المدعي أنه ما اقتضاه فعليك أن تقيم البينة على القضاء, فإن قال: أنظروني حتى أقيم البينة أنظر ثلاثًا, إن قال: البينة التي شهدت بالحق مجروحة لم يلتفت دعواه تلك حتى يقيم البينة بالجرح فإن سأل الأنظار ثلاثًا, وإن لم يقدم الغائب حتى وصل الكتاب إلى الحاكم استدعى الخصم وأخبره بورود الكتاب عليه, فإن قال: لا حق له علي لم يلتفت إلى قوله وحكم عليه, وإن ادعى القضاء لم يسمع إلا ببينة, وإن سأل إحلاف الطالب لم يكن له لأن القاضي الكاتب أحلفه, وإن أقر فيحكم بإقراره دون الكتاب, وإن أقر بالحق لغير هذا الطالب, فإن كان الحق عينًا قائمة بطل إقراره بها, وكان الطالب المحكوم له بها أحق, وإن كان الحق في الذمة يؤخذ بإقراره لغير الطالب ويؤخذ بالكتاب للطالب, وإن أنكر الحق وأقر بأنه المسمى في الكتاب يؤخذ بالحق وكتاب القاضي أوكد من الشهادة لأنه عن شهادة اقترن بها حكم وإن أنكر الحق وأنكر أيضًا أن يكون المسمى في الكتاب وهي مسألة الكتاب قال الحاكم للمدعي: إنما حكم لك على فلان ابن فلان وقد أنكر هذا أن يكون فلان ابن فلان فأقم البينة بذلك فإن لم يقمها فالقول قول المدعى عليه فيحلف أنه ليس هو فلان ابن فلان وتسقط الدعوى, وقال القفال: لو قال: لا أحلف هكذا ولكني أحلف أنه لا حق له علي فإن كان ما يدعيه لا