ولم يقل: اشهدوا فيكون أمراً, ويكون القاضي فيه بالخيار بين أن يقول ذلك للشاهدين فيتقدم من شاء منهما بالشهادة ولا يحتاج الثاني إلى إذن بعد الأول, ومن أن يقول ذلك لأحدهما: فيبدأ بالشهادة ولا يكون للآخر أن يشهد إلا بعد إذن آخر, ولو بدأ بالأول فاستوفى الشهادة, وقال للثاني: اشهد بمثل ما شهد به لم تصح شهادته حتى يستوفيها أيضا كالأول لأنه موضع أداء وليس موضوع حكاية.
والقسم الثالث: آداب القضاة مع الخصوم: وهو أن يبدأ بالنظر بين من سبق منهم ولا يقدم مسبوقاً إلا باختيار السابق ويجمع بينهما في الدخول ولا يستدعي أحدهما: قبل صاحبه فتضعف به نفس المتأخر بل يسوي في المدخل بين الشريف والمشرف, والحر والعبد, والكافر والمسلم, فإذا دخلا سوي بينهما في لفظ ولحظ, إن أقبل كان إقباله عليهما, وإن أعرض كان إعراضه عنهما, وإن تكلم كان كلامه لهما, وإن أمسك [١٢/ ٥١ ب] كان إمساكه عنهما, ولا يجوز أن يكلم أحدهما: دون الآخر, وإن اختلفا في الدين ليلاً يصير مماثلاً لأحدهما: ولا يسمع الدعوى منهما وهما قائمان حتى يجلسا بين يديه تجاه وجهه.
وينبغي أن يكون مجلس الخصوم عند القاضي أبعد من مجالس غيرهم ليتميز به الخصوم من غيرهم, فإن اختلف جلوسهما فتقدم أحدهما: كان القاضي بالخيار بين أن يؤخر المتقدم أو يقدم المتأخر, والأولى أن ينظر , فإن كان المتقدم جلس في مجلس الخصوم وتأخر عنه الآخر قدمه إليه, وإن كان المتأخر جلس في مجلس الخصوم وتقدم عليه الآخر أخره إليه حتى يتساويا فيه. ومن عادة الخصوم أن يجلسوا في التحاكم بروكاً على الركب لأنه عادة العرب في التنازع وعرف الحكام في الأحكام فإن كان التخاصم بين النساء جلسن متربعات بخلاف الرجال لأنه أستر لهن. وإن كان بين رجل وامرأة برك الرجل وتربعت المرأة لأنه عرف لجنسها فلم يصر تفضيلاً لها.
والأولى بالقاضي أن يجعل للنساء وقتاً وللرجال وقتاً ولا يخص تحاكم النساء مع الرجال من يستغني عن حضوره ويختار عند تحاكم النساء أن يكون الواقف بين يديه لترتيب الخصوم خصياً, وإن كان التحاكم بين رجل وامرأة فالأولى أن ينظر بينهما عند تحاكم الرجال من أجل المرأة ولا عند تحاكم النساء من أجل الرجال ويجعل لهما وقتا غير هذين. [١٢/ ٥٢ أ] وإذا حضر الخصمان تقاربا إلا أن يكون أحدهما: رجلاً والآخر امرأة ليست بذات محرم فيتباعدا ولا يتلاصقا.
مسألة: قال: ولا ينبغي أن يلقن واحداً منهما حجة ولا شاهد شهادته.
اعلم أنه لا يجوز للقاضي أن يلقن أحد الخصمين شيئاً فلا يلقن المدعي الدعوى والاستحلاف وغير ذلك, ولا يلقن المدعى عليه الإنكار ولا الإقرار به لأنه إن لقنه الإنكار أضر بالخصم, وإن لقنه الإقرار أضر به, فلم يجز ذلك لأن عليه التسوية بين