بين المضمضة والاستنشاق. ولأن الفصل بينهما أشبه بأعمال الوضوء في سائر الأعضاء، وأقرب إلى النظافة وأمكن، ويحمل رواية علي - رضي الله عنه - على الجواز. فإذا قلنا بالأول، قال القفال وساعده بعض أصحابنا: الجمع أن يغرف غرفة واحدة فيتمضمض منها ثلاثًا، ثم يستنشق ثلاثًا بالبقية، قال: وهو ظاهر كلام الشافعي.
وقال أبو حامد، وهو اختيار أبي يعقوب الأبيوردي: الجمع أن يغرف ثلاثا غرفات يجمع بكل واحدة بين المضمضة والاستنشاق ويقدم المضمضة، وهذا أصح، [٥٥ ب/ ١] لأنه أمكن. وقيل: الجمع أن يأتي بهما في حالة واحدة ولا يقدم المضمضة على الاستنشاق، وهذا ضعيف.
وإذا قلنا بالقول الثاني، قال أبو حامد: التفريق أن يغرف غرفة يتمضمض منها ثلاثًا، ثم يغرف غرفة أخرى يستنشق منها ثلاثًا. وقال القاضي أبو حامد: يغرف ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق، والأول هو ظاهر كلام الشافعي. وقيل. الاستنشاق على هذا القول وليس بشيء.
فرع
المستحب في المضمضة أن يأخذ الماء بفيه ويديره في فيه ثم يمجه، وفي الاستنشاق أن يأخذ بأنفه ويمده بنفسه إلى خياشيمه ثم ينثره، لما روى عمرو بن عبسة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما منكم من أحد يغرف وضوءه ثم يستنشق وينثر إلا جرت خطايا فيه وأنفه وخياشيمه مع الماء".
قال الشافعي:"وَيُبْلِغُ خَيَاشِيمَهُ الْمَاءَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا".
وأراد بالخياشيم أصول الأنف وهي العظام التي في الأنف، ويبلغ الماء إليه أو إلى ما دونه ويسمي إلا في حالة الصوم، فإنه يرفق فيها ولا يبالغ لئلا يسبق الماء إلى دماغه فيوجب الفطر؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة:"أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا".
فرع
قال الشافعي في "الأم": استحب إدخال الماء في العينين ولا أبلغ به تأكيد [٥٦ أ/ ١] المضمضة والاستنشاق. قال أصحابنا: هو من هيئات الوضوء؛ لأنه روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يفعله، وهو دون المضمضة والاستنشاق. لأنه