روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرو عنه إدخال الماء في العينين؛ لأن الفم والأنف يتغيران فيزيل الماء تغيرهما، والعين لا تتغير، وظاهر النص أنه يستحب ولكنه دون استحباب المضمضة، ومن أصحابنا من قال: لا يستحب ولا يغسله، لأنه لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا ولا فعلًا وهو يؤدي إلى الضرر، وهذا هو اختيار أكثر أصحابنا.
وقال صاحب "الحاوي": "لا يجب ولا يبين". وهل يستحب؟ قال أبو حامد: يستحب للنص في "الأم". وقال غيره: لا يستحب وهذا أصح؛ لأنه ما لا يبين لا يستحب، وفعل ابن عمر لا يدل عليه إذ لم يفعله رضي الله عنه.
مسألة: قال: "ثُمَّ يَغْرِفُ المَاءَ بِيَدَيْهِ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلاَثًا".
الفصل
وهذا كما قال. الماء بيديه لأنه ربما يتعذر غسل الوجه كله بغرفة ويغترفها بيد واحدة، وليس شرط؛ لأنه إن أمكن ذلك جاز. وغسل الوجه هو أول أركان الطهارة من الأفعال، لقوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ}[المائدة: ٦]، وحد الوجه ما بين منابت شعر الرأس إلى الذقن وهو مجمع اللحيين طولًا، ومن وتد الأذن إلى وتد الأذن عرضًا. والاعتبار في منبت شعر الرأس بغالب خلقة الإنسان، ولابد على الأقرع - وهو الذي نزل شعر رأسه إلى [٥٦ ب/ ١] جبهته - ولا أصلع - وهو الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه - ولا يجوز للأقرع الاقتصار على ما دون منابت شعر الرأس إلى أصول الأذنين ومنتهى اللحيين والذقن، وفميا نقل المزني خلل من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه قال: من منابت شعر رأسه، والشافعي قال: من دون منابت.
والثاني: قال: إلى ما أقبل من وجهه وذقنه، وأراد بالإقبال ما لم يتعطف من ظاهر لحيته وذقنه لحد الوجه بالوجه، والشيء لا يحد بنفسه.
والثالث: أنه قال: ومنتهى اللحية، وهذا يفيد أنه يغسل إلى منتهاها، ومنتهاها الحلق
ولا يجب ذلك.
فإذا تقرر هذا فالجبهة موضع السجود، والجبينان هما العظمتان الناتئان في جانبي الجبهة وهما من الوجه. والصدغان هو الشعر المحازي لرأس الأذن، وما نزل منه إلى ابتداء العذار وهما من الرأس.
وقال في "الحاوي": فيه ثلاثة أوجه: أحدها وهو قياس قول ابن سريج: هما من الوجه بحصول المواجهة بهما.
والثاني وهو قياس أبي إسحاق: هما من الرأس لاتصال شعرهما بشعر الرأس.