والثالث: وهو قول الجمهور: ما استعلى من الصدغين عن الأذنين من الرأس، وما انحدر عن الأذنين من الوجه؛ لأن الوجه محدود بالأذنين، وهذا أصح عندي.
وقال في "البويطي": لو كان أمرد غسل صدغيه، وإن كان ملتحيًا أمر الماء على الصدغ إلى الأذن.
قال [٥٧ أ/ ١] أصحابنا: أراد بالصدغ ها هنا العذار، وهو الخط الممتد من الصدغ على العظم الذي يحاذي وتد الأذن بينه وبين وتد الأذن بياض، فيلزمه إفاضة الماء على العذارين وغسل ما تحتهما، وكذلك على الذقن، وعلى العنفقة وهو الشعر الذي على الشفة لاستواء المقفلة والمنشلة". فالمقفلة هي العنفقة، والمنشلة ما تحت الخاتم، والنوعيان ويستحب غسلهما مع الوجه لأنهما في سمت الناصية، والناصية من الرأس. وتسمى أيضًا الحالجة، يقال: رجل أحلج على هذا المعنى، وأما موضع التحذيف وهو الشعر النابت في أعالي الجبهة، وهو ما بين سبيط الرأس ومنحدر الوجه يؤخذ بالحفاف والتحذيف. وقد يعبر عنه بأنه الشعر الداخل إلى الجبينين من جانبي الوجه ما بين العذار والنزعة وفيه وجهان. قال أبو إسحاق: من الرأس؛ لأنه يتصل نباته بشعر الرأس، والله تعالى فرق بين الرأس والوجه بنبات الشعر. ومن قال بهذا قال: حد الوجه من منابت شعر الرأس ليخرج منه موضع التحذيف.
وقال ابن سريج، وابن أبي هريرة: هو من الوجه لحصول المواجهة به في منحدر
الوجه، وأن العادة فيه التحذيف، وقد جعله الناس بالعرف وجهًا وأنه شعر من بياض الوجه [٥٧ ب/ ١] كالحاجب.
ومن قال: هذا حد الوجه، يقال: من قصاص الشعر إلى الذقن ليدخل فيه موضع الحذيف، وهذا اختيار صاحب: "الحاوي"، والمشهور عند عامة أصحابنا الوجه الأول، والاعتبار في التسمية بأهل اللغة، وأهل اللغة لم يجعلوه من الوجه.
وقال أبو إسحاق في شرح نص الشافعي في "الإملاء" إنه من الرأس، وحكاه الإمام القاضي طاهر الطبري - رحمه الله - وحكى عن مالك أنه قال: لا يجب غسل العذار ولا البياض الذي بين الأذن والوجه، وهذا غلط؛ لأنه ينطلق عليه اسم الوجه. وقال أبو يوسف: يجب على الأمرد غسله دون اللحى؛ لأن الشعر حصل حائلًا بينه وبين الوجه، وهذا غلط؛ لأن أحدًا من أهل اللغة لم يذكره مع الوجه في حده ولا تقع المواجهة به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه ولم يغسلها مع الوجه، واحتج الزهري بقوله صلى الله عليه وسلم: "سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره" فأضاف السمع إليه كما أضاف