للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل

قد ذكرنا أنه ينبغي للإمام أن يجعل للحاكم رزقاً من بيت المال لأن منفعته مشغولة بمصالح المسلمين كالمرابطين وكارتزاق الخلفاء الراشدين على الخلافة لانقطاعهم بها عن المكاسب وهذا الرزق جعالة لا أجرة ومتى وجد الإمام متطوعاً بالقضاء لم يجز أن يعطي على القضاء رزقا والأولى إذا استغنى عن الرزق أن يتطوع بعمله لله تعالى التماس ثوابه, وإن استباح أخذه مع الحاجة والغنى ورزقه مقدر بالكفاية مع غير صرف ولا تقتير, وكذلك إنفاق أعوانه من كاتب وحاجب وقاسم وسجان. ويستحب أن يجعل له مع ذلك شيئاً يشترى به القراطيس التي تكتب فيها المحاضر والسجلات لأن ذلك من مصالح المسلمين وفيه تذكرة للحجج وحفظ لما عسى ينساه فهو كأجرة الكيال والوزان فإن لم يفعل الإمام ذلك, أو لم يكن في بيت المال شيء فإنه يكون على المحكوم له فإذا جاء بقرطاس كتب له الحاكم المحضر والسجل لأن الحق في ذلك فإن لم يفعل لم يكن عليه ولا يلزم الحاكم أن يبذل القرطاس من عنده وليس له إكراه [١٢/ ٦٤ أ] المدعي على ذلك لأنه لوثيقة حقه فمن المحال إكراهه عليه, فإذا تقرر هذا قال في المختصر: فإن لم يفعل قال للطالب: إن شئت فآت بصحيفة يكتب فيها شهادة شاهديك وكتاب خصومتك ولا أكرهك ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب فأنسى شهادته وذكر في " الأم" هذا الفصل وقال: يقول القاضي للطالب: إن شئت جئت بصحيفة بشهادة شاهديك وكتاب خصومتك وإلا لم أكرهك ولم أقبل منك أن يشهد عندي شاهد الساعة بلا كتاب وأنسى شهادته فاختلف أصحابنا في تأويل المسألة قال ابن العاص وغيره: قد قيل: معناه أن يكون لرجل على رجل حق مؤجل فأقام صاحب الحق أن يغيب فأقام الشهود على الذي عليه الحق لكي يحكم الحاكم عليه وقت حلول الحق لا يقبل الحاكم ذلك ولا يسمع الشهادة إلا بكتاب فيه ذكر الشهود عليه والشهادة ومبلغ الحق وأسماء الشهود لأنه قد ينسى ذلك الوقت وليس به إلا قبول الشهادة في الحال ضرورة لأنه ليس وقت الحكم, وقال بعض أصحابنا: صورة المسألة هذه ولكن قوله وأنسى شهادته من النسيان فكأنه قال: إن لم يكن كتاب بما سمعت من شهادتك أو حكمن لك ثم جئتني بعد ذلك تطالبني بإمضاء ما حكمت [١٢/ ٦٤ ب] لك به والحكم بما سمعت من شهادتك لم أفعل إلا أن يكون كتاب في يدك أتذكر بع فإن قيل: لو شهد شاهد مع الكتاب والقاضي نسي شهادته لا يجوز أن يقبل فما معنى قوله بلا كتاب؟ قلنا: فائدة ذكر الكتاب الأمن من النسيان لأن الكتاب لو كان مكتوباً فالقاضي يطالبه والخصم يعرض عليه فكان لا ينسى فمعنى قوله: ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب أي بلا ذكرى بسبب الكتاب فلما كان الكتاب سبب الذكر وضعه موضع الذكرى. قال القاضي الطبري: وهذا ليس بشيء لأن معنى قوله: وأنسى شهادته معناه: أؤخر شهادته ولهذا نقله المزني وأنسا بالألف لا بالياء على أنه من التأخير وليس من النسيان وقد بينه في " الأم" فقال: ولم أقبل منك إن شهد عندي شاهد الساعة بلا

<<  <  ج: ص:  >  >>