يحقق صدقه بإقامة البينة فلا يوجب التفسيق. وهذا بخلاف الأصول، وذلك أن الله تعالي قال:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور: الآية ٤]. ولم يقل: ثم لا تقبلوا فدل علي أن رد الشهادة بالقذف كما أن الحد بالقذف ثم قال تعالي: {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا}[النور: الآية ٥]. فإن كان الاستثناء راجعا إلي قوله:{ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}. وجب قبول شهادته، وإن كان راجعا إلي قوله:{وأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}[النور: الآية ٤]. فإذا ارتفع الفسق رددنا الشهادة وجب أن تقبل [١٢\ ١١٧ ب] شهادته.
قال الشافعي رضي الله عنه: أن أخبرنا ابن عيينة قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فأشهد لأخبرني، ثم سمي الرجل الذي أخبره أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة ((تب تقبل شهادتك أو قال إن تبت قبلت شهادتك)) قال وبلغني عن ابن عباس رضي الله عنهما مثل معني هذا، وقال ابن أبي نجيح كلنا نقوله قلت: من قال عطاء وطاوس ومجاهد، قال محمد بن إسماعيل البخاري وأجازه عبد الله بن عيينة وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وعكرمة والزهري ومحارب بن دثار وشريح ومعاوية بن قرة، وقال أبو الزناد: والأمر بالمدينة علي ما ذكر الشافعي، وقال الشعبي: قبل الله توبته ولا تقبلون شهادته.
قال الشافعي: وحاله قبل أن يجد شر منه بعد الحد لأن الحدود كفارات فكيف تردون الشهادة في أحسن حالته وتقبلون في شر حالته، وإذا قبلتم توبة القاتل عمدا والكافر فكيف لا تقبلون شهادة القاذف وهو أيسر ذنبا؟ قال المزني: حين قال الشافعي هذا صدق والله.
قال أصحابنا وروى سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قال لأبي بكرة وشبل ونافع ((من تاب منكم قبلت شهادته)) وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالي {ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور: الآية ٤] ثم قال [١٢\ ١١٨ أ]{إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وأَصْلَحُوا} فشهادته في كتاب الله تعالي تقبل.
وروى بعض أصحابنا بخراسان عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:((في هذه الآية توبتهم إكذابهم أنفسهم فإن كذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم)) وروى خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((من أذنب ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته))، وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:((التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه))، وروى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((هل تعلمون أحباء الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: التوابون من الذنوب ثم تلا هذه الآية {إٍنّ