واحتجوا بأنه يعرف المشهود عليه بالصوت فجازت شهادته عليه كالبصير وجواز اشتباه الصوت كجواز اشتباه الصورة [١٢/ ١٢٧ ب] بالصورة وقال القفال: سئل مالكي ببخاري عن هذه المسألة ليشفعوا عليه فشفع عليهم وقال ما قولك في أعمى يطأ زوجته فأقرت بحقه بدرهم، فإن قلتم لا تحل شهادته فقد أحلتم إذ عرف أنها امرأته حتى استباح بضعها أفلا صدقتموه أنه عرفها وثبت عنده إقرارها بدراهم قالوا: ونبي الله شعيب عليه السلام كان أعمى قال الله تعالى: {وإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا}[هود: ٩١] قيل: معناه ضريرًا. ودليلنا قول الله تعالى:{ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء: ٣٦] فجمع في العلم بين السمع والبصر في الإدراك وضم الفؤاد إليها في الإثبات فدل على أن استقرار العلم بجميعها، ولأن من لا يجوز له تحمل الشهادة على الفعال لا يجوز له تحملها على الأقوال كالصبي ولأن شهادة البصير في الظلمة ومن وراء حائل أثبت من شهادة الأعمى ولا يقبل ذلك فهذا أولى.
وأما ما ذكروه فلا يصح لأن الأصوات أكثر اشتباهًا والشهادة إنما تجوز على العقود باليقين دون الاستدلال، ولهذا لو استفاض في الناس أن فلانًا باع داره لا تجوز الشهادة عليه به والأعمى لا يتيقن [١٢/ ١٢٨ أ] ذلك بحال وأما الوطئ فمخصوص الاستحقاق ويجوز الاستدلال عليها باللمس فكذلك بالصوت، وكذلك يعتمد في الوطئ على خبر ناقل العروس إليه، وإن كان واحدًا ويقبل فيه قول المرأة الواحدة بخلاف الشهادة ولأن الوطئ يجوز للضرورة وهو كالعبد يعهد بالنكاح، وإن لم تجز شهادته وأما عمى شعيب عليه السلام فقد أنكره بعضهم، وقيل حدث فيه العمى بعد أداء الرسالة وأيضًا فإعجاز النبوة يوجب القطع بصحة شهادته بخلاف غيره.
فرع
شهادة الأعمى في النسب والملك المطلق والموت من ريق تظاهر الأخبار هل تجوز أم لا؟ اختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال تجوز وبه أقول، وقال ابن أبي أحمد: كان ابن سيرين يقول: شهادة العميان تجوز في النسب تخريجًا من عنده وهذا لأن المعول فيه على سماع الأخبار، والأعمى في ذلك بمنزلة البصير.
وقال صاحب "الحاوي": يقبل إذا لم تعتبر مشاهدته بالتصرف في النكاح أيضًا إذا لم تعتبر مشاهدة الدخول والخروج وجهًا واحدًا. ومن أصحابنا من قال: لا يجوز ذلك لأنه لا بد من مشاهدة المخبرين وأحوالهم ليتمكن من [١٢/ ١٢٨ ب]. . . . . . . على ذلك وهذا أصح عند عامة أصحابنا وعليه يدل نص الشافعي رضي الله عنه لأنه قال: لا تجوز شهادة الأعمى بعد ما ذكر تظاهر الأخبار ثم قيل إلا أن يكون أثبت شيئًا معاينة وسمعًا ونسبًا ثم عمي فيجوز فأخبر انه إنما يشهد بالنسب إذا كان قد أثبته وهو بصير ثم عمي وقال أبو حامد: هذا مقتضى المذهب ولكن جميع أصحابنا ذكروا جواز ذلك وفيه نظر فإن قيل: إذا جوزتم أن يشهد الأعمى على النسب كيف يشير إلى من يشهد على