ما قالوه للضرورة [١٢/ ١٣٨ ب] لجاز في الجراح بشهادة النساء في الحمامات والأعراس، وينبغي أن تقبل شهادة قطاع الطريق بعضهم على بعض للضرورة، أو نقول: لا تقبل شهادتهم في الأموال فكذا في الجراح كالفاسق، أو نقول: الصبي لا يلزمه شيء إذا أقر أو نذر أو عقد بيعاً فكيف يلزم غيره بشهادته؟ واحتج الشافعي رضي الله عنه بأن الصبيان لا فرائض عليهم فكيف يجب بقولهم فرض.
مسألة: قال: المعروفون بالكذب من المسلمين لا تجوز شهادتهم فكيف تجوز شهادة الكافر مع كذبهم على الله تعالى.
قصد بهذا الرد على أبي حنيفة رحمه الله حيث قال: تقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض ولا تقبل شهادتهم على المسلمين وبه قال الحسن وسوار وحماد والثوري وعثمان البتي وعندنا لا تقبل شهادتهم بحال، وبه قال مالك والأوزاعي والحسن في رواية وابن أبي ليلى وأحمد، وروي عن أحمد أنه قال: تقبل شهادته على المسلمين في الوصية إذا لم يكن مسلم ولا يقبل بعضهم على بعض، وقال داود: تجوز شهادة أهل الذمة على المسلم في وصيته في السفر دون الحضر، وبه قال سعيد بن المسيب وعكرمة، وروي ذلك عن الحسن والنخعي وشريح والأوزاعي أيضاً، [١٢/ ١٣٩ أ] وقال الشعبي والزهري وقتادة والحكم بن عتيبة وإسحاق وأبو عبيد تقبل شهادة أهل كل ملة بعضهم على بعض، ولا تقبل شهادة يهودي على نصراني ولا نصراني على يهودي، واحتج أبو حنيفة بما روى البراء بن عازب رضي الله عنه ان النبي صل الله عليه وسلم "أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض"، وأنه يلي بعضهم على بعض.
واحتج أحمد بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}[المائدة: الآية ١٠٦]. الآية وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: يعني من غير أهل دينكم، وروي الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة. . . ولم يجد أحداً من المسلمين يشهد على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشهري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم فأحلفا بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وإنها وصية الرجل وتركته فأمضي شهادتهما.
ودليلنا قوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢] وقال تعالى أيضاً {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}[البقرة:٢٨٢] وقال أيضاً: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة:٢٨٢] قال الشافعي: في الآية دلالة على أن الله تعالى إنما عنى المسلمين دون غيرهم من قبل أن رجالنا ومن نرضى من أهل ديننا لا المشركون لقطع الله تعالى الولاية بيننا وبينهم بالدين ووصف الشهود من فقال {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: الآية ٢] فلا يجوز من غيرنا، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يا معشر