للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا ما كتب الله وغيروا وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وروى أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين بشيء"، ولا يجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم، وروي: إلا أمتي فإنهم يجوزون على سائر الأمم صل الله عليه وسلم.

واحتج الشافعي رضي الله عنه بما ذكرنا هنا وهو أنه لا تقبل شهادة المعروف بالكذب وكذلك المغفل الذي يكثر غلطه ونسيانه، وإن كان من الصالحين لا تقبل شهادته.

وأما خيرهم قال أصحابنا: لا أصل له فإن صح يحمل على اليمين ويعبر بالشهادة عن اليمين، قال الله تعالى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: الآية ١] يعني: نحلف ثم نعارضه بما روى عبادة بن نسي عن ابن غنيم [١٢/ ١٤٠ أ] رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال: "لا تقبل شهادة أهل ملة على أهل الملة إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم من غيرهم". وأما الآية التي ذكروها قال الحسن: أراد والحران من غيركم من المسلمين من القبيلة أو غير القبيلة، ألا ترى أنه قال: تحبسونهما من بعد الصلاة وهكذا قال عكرمة وهذا لأن الغالب في الوصية أن الموصي يشهد أقربائه وعشيرته دون الأجانب، وقيل: هذه الآية صارت منسوخة بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: الآية ٢]. وروي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن ابن عباس أنه قال: "خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن براء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصاً بالذهب فأحلفهما رسول الله صل الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا: اشترينا من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم قال فنزلت فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: الآية ١٠٦] الآية. وفي هذا حجة لمن رأى رد اليمين على المدعي والآية محكمة لم تنسخ، هكذا قالت عائشة رضي الله عنها والحسن وعمرو بن شرحبيل وقالوا: "المائدة [١٢/ ١٤٠ ب] " آخر ما نزل من القرآن الكريم لم ينسخ منها شيء" والآية على الوصية دون الشهادة لأن نزولها كان في الوصية وتميم الداري وصاحبه عدي كانا وصيين لا شاهدين، والشهود لا يحلفون وقد حلفهما رسول الله صل الله عليه وسلم وإنما عبرا بالشهادة عن الأمانة التي تحملاها وهو معنى قوله تعالى: {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أي أمانة الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>