للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن تميم الداري في هذه الآية قال: يرى الناس منها غيري وغير عدي بن براء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريك بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة وهو عظم تجارته فمرض فأوصى إلهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك إلى أهله قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم كل ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمس مائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا إليه فأتوا به رسول الله [١٢/ ١٤١ أ] صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة، فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: الآية ١٠٦]. إلى قوله تعالى: {أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة:١٠٨] فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فنزعت الخمس مائة من عدي بن براء وقال مقاتل في هذه القصة: جاء تميم وعدي بالمال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت، فاستنكر القوم قلة المال فقالوا لهما: إن صاحبنا خرج بمال كثير فهل باع شيئًا وهل طال مرضه فأنفق على نفسه فقالا: لا فقالوا: خنتما وقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت أن يحبسا بعد الصلاة أمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السموات ورب الأرض ما ترك مولاكم من المال إلا ما أنبأنكم به وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنًا من الدنيا، ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين، فلما حلفا خلي سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت وأخذوا تميمًا وعديًا فقالا: اشترينا منه في حياته فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى، {فَإِنْ عُثِرَ} [المائدة: الآية ١٠٧] يقول فإن اطلع {عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} [المائدة: الآية ١٠٧] يعني تميمًا وعديًا يقول: إن كانا كتمًا حقًا {فَآخَرَانِ} [١٢/ ١٤١ ب] من أولياء الميت {يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ}، يقول: فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي نطلبه قبل تميم وعدي لحق {شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: الآية ١٠٧] فهذا قول الشاهدين أولياء الميت حين أطلع على خيانة الوصيين لقول الله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَاتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}، يعني تميمًا وعديًا والناس أن يعود ولمثل ذلك وبه قال مجاهد والحسن والضحاك.

قال الشافعي: ومعنى شهادة بينكم، أيمان بينكم والله أعلم فإن قيل: أليس يجوز أن يكون الكافر وليًا لولده الكافر في المال والنكاح، فكذلك يجوز أن يكون شاهدًا، قيل الولاية مخالفة للشهادة لأن المسلم لا يكون وليًا للكافر ويكون شاهدًا للكافر وعليه ولأن الكافر يكون وليًا للكافر فيما له على المسلم وفيما للمسلم عليه، ولا يكون الكافر شاهدًا على المسلم وقد قيل: الولاية تتعلق بالنسب وتتعين في شخص بعينه فكانت أقوى من الشهادة التي لا تتعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>