قال في الحاوي: هذه الآية هي الأصل في وجوب الدية في قتل الخطأ للمقتول ووجوب الكفارة فيه على القاتل، وجملة القتل تنقسم أربعة أقسام: واجب، مباح، ومحظور يأثم به، ومحظور لا يأثم به.
فأما الواجب: فالقتل بالردة والزنى والحرابة ولا يتعلق به وجوب دية ولا كفارة.
وأما المباح فالقصاص، ودفع الطالب لنفس أو مال وهو في حكم الواجب في سقوط الدين والكفارة.
وأما المحظور الذي يأثم به، فهو قتل العمد بغير حق ويتعلق به أربعة أحكام القصاص مع التكافؤ والدية عند العفو، والكفارة عن القتل، والوعيد في المأثم.
وأما المحظور الذي لا يأثم به: فهو قتل الخطأ ويتعلق به حكمان الدية والكفارة وقد تضمنتهما الآية ويسقط عنه القصاص والمأثم فيصير موافقًا للعمد في حكمين، ومخالفًا له في حكمين وإذا كانت أقسام القتل على ما ذكرنا فالكفارة فيه واجبة عن كل قتل لمضمون في كل قتيل مضمون على كل قاتل ضامن.
فصل:
فأما القتل المضمون فعمد وخطأ - فالعمد يأتي في خلاف نذكره والخطأ متفق على وجوب الكفارة فيه بنص الكتاب وإجماع الأمة وسواء كان قتل الخطأ بمباشرة أو بسبب، والمباشرة: أن يرمي هدفًا فيصيب إنسانًا فيقتله، والسبب: أن يحفر بئرًا في أرض لا يملكها فيقع فيها إنسان فيموت أو يضع حجرًا في طريق سائر فيعثر به إنسان فيموت أو يرش ماء في الطريق فيزلق به فيموت إلى امتثال ذلك مما قدمنا ذكره في ضمان النفس التالفة فيجب فيه الدية والكفارة.
وقال أبو حنيفة: تجب في قتل المباشرة الدية مع الكفارة وتجب في قتل السبب الدية دون الكفارة استدلالًا بأن كل من ضمن نفسًا من غير مباشرة لم تجب عليه الكفارة كالعاقلة، ولأن كل ما لم يجب في جنسه قود لم يجب في جنيه كفارة كالإمساك.
ودليلنا: هو أنه قتل يضمن بالدية فوجب أن يضمن بالكفارة، كالمباشرة. فإن منعوا أن يكون مقتولًا، احتج عليهم بوجوب الدية، لأنه لا يجوز أن يلزم دية النفس ولا يكون متلفًا للنفس إذا لا يلزم دية إلا في قتل عن مقتول ولأنها كفارة تلزم بمباشرة القتل فوجب أن تلزم بسبب القتل كجزاء الصيد ولأن الكفارة أوكد من الدية فلما وجبت الدية كان أولى أن تجب الكفارة، وأما قياسهم على العاقلة فالجواب عنه أن العاقلة تلتزم الدية تحملًا ونيابة والكفارة لا يدخلها التحمل ولا النيابة ولذلك تحملت العاقلة دية الخطأ ولم تتحمل كفارته - وإن لزمته وأما قياسهم على الإمساك فالمعنى فيه أن الإمساك لما لم يوجب ضمان الدية لم يوجب ضمان الكفارة ولما أوجب السبب ضمان الدية أوجب ضمان الكفارة.