فأما المقتول المضمون: فكل ما ضمنت نفسه بالقصاص من صغير وكبير، وذكر وأنثي، ومسلم وكافر، وحر وعبد، وجبت الكفارة بقتله وقال مالك: لا تجب الكفارة إلا بقتل الحر المسلم ولا تجب بقتل عبد ولا كافر، وقال أبو حنيفة: تجب بقتل العبد ولا تجب بقتل الكافر احتجاجا بقول الله تعالي: {ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ}[النساء: ٩٢] فجعل الإيمان شرطا في وجوب الكفارة، فلم تجب مع الشرط، ولأن الكفارة مختصة بأغلظ الحرمات ولذلك وجبت في النفس دون الأطراف المسلم أغلظ من نفس الكافر فكانت أولي بسقوط الكفارة.
ودليلنا: قوله تعالي: {وإن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢ فأوجب الله تعالي الدية مع الكفارة في قتل المعاهد كما أوجبها في قتل المؤمن فكان أول الآية في المسلم وآخرها في الكافر، ولأنها نفس مضمونة بالدية فوجب أن تضمن بالكفارة كالمسلم وما ادعاه من ضعف حرمته فراجع عليه في التسوية بينه وبين المسلم في وجوب القصاص ثم يقال: قد اثبت الذمة له حرمة فلا يسوى بينه وبين من عدمها في سقوط الكفارة كما لم يسو بينهما في سقوط الدية.
فصل:
وأما القاتل الضامن: فكل قاتل ضمن نفس مقتول فعليه الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا مسلما أو كافرا حرا أو عبدا، وقال أبو حنيفة: لا كفارة علي الصبي والمجنون احتجاجا بقول النبي صلي الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتي يحتلم، وعن المجنون حتي يفيق، وعن النائم حتي ينتبه)) ولأنها عبادة شرعية لا يدخلها التحمل قلم تجب علي الصبي والمجنون كالصلاة والصيام، ولأنها كفارة فلم تجب علي الصبي والمجنون قياسا علي كفارة الظهار والإيمان. ولأنه حكم يتعلق بالقاتل لا يتحمله غير القاتل، فلم يجب علي الصبي والمجنون كالقصاص.
ودليلنا قوله تعالي:{ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢] فكان علي عمومه والصبي والمجنون وإن لم يتوجه إليهما الخطاب مواجهة كقوله تعالي: {وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ}[المزمل: ٢٠] توجه إليهم خطاب الالتزام والكفارة خطاب التزام فتوجه إلي الصبي والمجنون كالدية ولأنه قاتل ضامن فوجب أن تلزمه الكفارة كالبالغ العاقل ولأنه حق مال يجب بالقتل فوجب أن يستوى فيه الصغير والكبير والعاقل والمجنون كالدية، ولأن الكفارة أوكد من الدية، لأنها تجب علي قاتل نفسه وعلي السيد في قتل عبده، وإن لم تجب عليهما الدية فلما وجبت الدية علي الصبي والمجنون كان أولي أن تجب عليهما الكفارة: فأما الجواب عن قوله ((رفع القلم عن ثلاث)) فهو أن رفع