قال في الحاوي: وصورتها في شاهدين شهدا على إقرار رجل بالقتل, فقال أحدهما: أقر عندي أنه قتل عمدًا, وشهد الآخر: أقر عندي أنه قتله ولم يقل عمدًا, وشهد الآخر: أقر عندي ولم يقل عمدًا ولا خطأ فقد تمت الشهادة على إقراره بالقتل ولم تتم الشهادة على إقراره بصفة القتل, فيسأل المقر عن صفة القتل, فإنه لا يخلو فيها من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يقول قتله عمدًا فيقتص منه بإقراره الآنف لا بالشهادة المتقدمة فإن عفا عنه إلي الدية, كانت حالة مغلظة في ماله.
والثانية: أن يقول: قتلته خطأ فلا يحكم عليه بالقود لأنه لم يتم الشهادة بالعمد, ولكن يكون هذا لوثًا في قتل العمد لأنه إذا ثبت اللوث بشهادة واحد فأولى أن يثبت بشاهدين فإن أقسم حكم له بالقود على قوله في القديم, وبالدية المغلظة حالة على قوله في الجديد, وإن لم يقسم, أحلف المقر بالله أنه ما قتله عمدًا ولزمته دية والخطأ مخففة يؤديها من ماله, في ثلاث سنين, ولا تحملها عنه العاقلة, لأنها دية اعتراف.
والثالثة: أن يمسك عن البيان, فيصير كالناكل فترد اليمين على الولي فإن حلف حكم له بالقود بيمينه لا بالشهادة، وإن نكل حكم له بدية الخطأ دون العمد بالشهادة.
فصل:
ولو كانت الشهادة على فعل القتل، فشهد أحدهما أنه قتله عمدًا وشهد الآخر أنه قتله خطأ، سئل كل واحد منهما عن صفة القتل الذي شاهده، فإن اتفقا عليها واختلفا في الحكم عندهما لم تكن في هذه الشهادة تعارض ووجب على الحاكم أن يعتبر بما شهدا به من صفة القتل، فإن كان عمدًا حكم فيه القود، وإن كان خطأ حكم فيه بدية الخطأ على العاقلة وإن اختلفا في صفة القتل فهو تعارض لا يحكم فيه بعمد ولا خطأ على ما سنذكره من بعد، وبالله التوفيق.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو قال أحدهما قتله غدوًة وقال الآخر عشيًة أو قال أحدهما بسيف والآخر بعصًا فكل واحٍد منهما مكذب لصاحبه فمثل هذا يوجب القسامة".
قال في الحاوي: إذا تعارض الشاهدان فأثبت كل واحد منهما ما نفاه الآخر فلذلك ضربان:
أحدهما: أن تكون شهادتهما على فعل القتل.
والثاني: أن تكون على الإقرار بالقتل، فإن كانت على فعل القتل فقال أحدهما: قتله غدوة أو في يوم السبت وقال الآخر: قتله عشية أو في يوم الأحد، أو قال أحدهما: