للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: في حقيقة السحر.

والثاني: في تأثير السحر.

والثالث: في حكم السحر.

فأما الفصل الأول: في حقيقة السحر، فقد اختلف الناس فيها، فالذي عليه الفقهاء والشافعي وأبو حنيفة ومالك وكثير من المتكلمين أنه له حقيقة وتأثيرًا وذهب معتزلة المتكلمين والمغربي من أهل الظاهر، وأبو جعفر الاستراباذي من أصحاب الشافعي، إلي أن لا حقيقة للسحر ولا تأثير وإنما هو تخييل وتمويه كالشعبذة لا تحدث في المسحور إلا التوهم وللاستشعار استدلالًا بقوله تعالى: في قصة فرعون وموسى {فإذَا حِبَالُهُمْ وعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} [طه: ٦٦ - ٦٧] فأخبر أنه تخييل لا حقيقة له، وذلك أنهم جعلوا فيما مثلوه بالحيات من الحبال والعصي زئبقًا واستقبلوا بها مطلع الشمس فلما حمى بها ساح وسرى فسرت تلك الحبال كالحيات السارية ومعلوم من هذا أنه تخييل باطل، ولأنه لو كان للسحر حقيقة لخرق العاجات، وبطل به المعجزات وزالت دلائل النبوات ولما وقع الفرق بين النبي والساحر، وبين الحق والباطل وفي هذا دفع الأصول الشرائع وإبطال الحقائق وما أدى إلي هذا فهو مدفوع عقلًا وشرعًا، والدليل على أن السحر حقيقة وتأثيرًا ما قدمناه من الآية على ما بيناه من التفسير مع اختلاف مع تضمنها من التأويل ولو لم تكن له حقيقة لأبان فساده ولذكر بطلانه، ولما كان للنهي عنه موقعًا وفي هذا ردًا لما نطق به التنزيل فكان مدفوعًا، ويدل عليه قوله تعالى: {ومِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ} [الفلق: ٤].

والنفاثات السواحر، في قول الجميع ينفش في عقد الخيط للسحر.

روى الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئًا وكل إلي فلو لم يكن للسحر تأثير لما أمر بالاستعاذة من شره ولكان السحر كغيره.

ويدل عليه ما روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى شكوى شديدة فبينما هو كالنائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما: ما شكواه فقال: مطبوب أي مسحور والطب السحر قال: ومن طبه قال: لبيد بن أعصم اليهودي، وطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها.

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر فاستخرج منها وترًا فيه إحدى عشرة عقدة'فأمر بحل العقد فكان كما حل عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما نشط من عقال.

فنزلت عليه المعوذتان وهما إحدى عشر آية بعدد العقد، وأمر أن يتعوذ بهما وقد روي هذا الخبر من طرق شتى تختلف ألفاظه وتتفق معانيه ورواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث أيامًا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن فاستيقظ ذات ليلة وقال: يا عائشة قد أفتاني ربي فيما استفتيته فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>