للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتاني رجلان في المنام وذكرت مثله حديث ابن عباس على اختلاف في الألفاظ.

وإذا أثر في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل، وأثر فيه حين نشط لما عصمه الله تعالى من بين خلقه كان أولى أن يؤثر في غيره فإن قيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من السحر لما في استمراره من خلل العقل وقد أنكر الله تعالى على من قال في رسوله: {وقَالَ الظَّالِمُونَ إن تَتَّبِعُونَ إلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} [الفرقان: ٨] قبل عصمة الرسول مختصة بعقله ودينه وهو في المرض كغيره من الناس وقد سم يهود ذراعًا مشوية وقدمت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منها ومرض في آخر عمره فكان يقول: ما زالت أكلت خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري فكان في ذلك كغيره، ولما أجرى الشيطان على لسانه حين قرأ في سورة النجم: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ والْعُزَّى (١٩) ومَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم ١٩ - ٢٠] تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهم لترتجي أزل الله تعالى ذلك عنه وعصمه منه، ويدل عليه ما روى نافع عن ابن عمر قال: أرسلني عمر بن الخطاب إلي خيبر لأقسم ثمارها بينهم وبين المسلمين فسحروني فتكوعت بيدي فأجلاهم عمر عن الحجاز، فلولا أن للسحر حقيقة وتأثرًا لما أجمع عليه الصحابة وانتشر في الكافة، لما أجلاهم عمر من ديارهم ولراجعته الصحابة فيهم كما راجعوه في غيره من الأمور العظيمة المحتملة.

وقد روى بجالة قال: كتب عمر أن اقتلوا كل ساحر وساحرة فقلنا: ثلاث سواحر ويدل عليه أن الله تعالى جعل معجزة موسى في العصا لكثرة السحر في زمانه ومعجزة عيسى بإحياء الموتى لكثرة الطب في زمانه ومعجزة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن لكثرة الفصحاء في زمانه.

فلو لم يكن للسحر حقيقة، كما للطب والفصاحة حقيقة، لضعف معجزة موسى في علوه على السحرة لأنه دفع ما لا تأثير له وليس لدفع ما لا تأثير له تأثير، وإنما التأثير في دفع ماله تأثير كما كان لإحياء الموتى تأثير على الطب ولفصاحة القرآن على فصاحة الكلام تأثير.

فأما الجواب عن استدلالهم بالآية، فهو أن حقيقة السحر آثاره وإن لم تكن لأفعال السحر حقيقة وقد أثر سحرهم في موسى ما أوجسه من الخوف في نفسه.

وأما الجواب عن استدلالهم بما فيه خرق العادات وإبطال المعجزات، فهو خرق العادات في غير السحرة وليس بخرق العادات في السحرة كما أن الشعبذة خرق العادات في غير المتشعبذة وليس بخرق العادات في المتشعبذة وليس فيه إبطال المعجزات، لأن الشعبذة في خرق العادات كالسحر وليس فيها إبطال المعجزات، فكذلك السحر، لأن خرق العادات بالمعجزات مخالف لخرقها بالسحر والشعبذة، لأن أفعال المعجزات حقيقة وأفعال السحرة مستحيلة لأن موسى لما فلق البحر ظهرت أرضه حتى سار فيه موسى وقومه على اليابس، ولما ألقى السحرة حبالهم حتى ظنها الناظر حيات ظهر استحالتها وعادت إلي حالها، والله ولي العصمة.

وأما الفصل الثاني وهو تأثير السحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>