فقد ذهب قوم ممن ضعفت في العلم مخابرهم، وقلت فيه معرفتهم إلي أن الساحر قد يقلب بسحره الأعيان، ويحدث به الأجسام، ويجعل الإنسان حمارًا بحسب ما هو عليه من قوة السحر وضعفه، وهذا واضح الاستحالة من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لو ثبت على هذا لصار خالقًا وهو مخلوق ورازقًا وهو مرزوق وربًا وهو مربوب، وشارك الله تعالى في قدرته وعارضه في حكمته.
والثاني: أنه لو قرر على هذا في غيره لقدر عليه في نفسه فيردها إلي الشباب بعد الهرم، وإلي الوجود بعد العدم يدفع الموت عن نفسه فصار من المخلدين وباين جميع المخلوقين.
والثالث: أنه يؤدي إلي إبطال جميع الحقائق، وأن لا يقع فرق بين الحق والباطل ولجاز أن تكون جميع الأجسام مما قيلت السحرة أعيانها، فيكون الحمار إنسانًا والإنسان حمارًا فإذا وضحت استحالة هذا القول بما ذكرنا، فالذي يؤثره السحر عند الشافعي وجماعة الفقهاء أن يوسوس ويمرض وربما قتل، لأن السحر تخييل، كما قال الله تعالى:{يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[طه ٦٦] والتخييل بدوا الوسوسة بدو المرض والمرض بدو التلف، فإذا قوي التخييل حدث عنه الوسوسة، وإذا قويت الوسوسة، حدث عنها المرض، وإذا قوي المرض حدث عنه التلف، فيكون أول مبادئه التخييل ثم الوسوسة ثم التلف وهو غايته فهذه آثار السحر.
وأما الفصل الثالث، وهو أحكام السحر فيشتمل على قسمين:
أحدهما: حكم السحر.
والثاني: حكم تعلم السحر، فأما القسم الأول في حكم الساحر فقد اختلف فيه الفقهاء، فذهب أبو حنيفة ومالك إلي أنه كافر يجب قتله ولم يقطعا بكفره ومذهب الشافعي أنه لا يكفر بالسحر ولا يجب به قتله ويسأل عنه، فإن اعترف معه، بما يوجب كفره وإباحة دمه كان كافرًا بمعتقده لا بسحرة وكذلك لو اعتقد إبانة السحر صار كافرًا باعتقاد إباحته لا بفعل فيقتل حينئٍذ بما انضم إلي السحر لا بالسحر بعد أن تعرض عليه التوبة فلا يتوب.
واحتج من أوجب به القتل برواية الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حد الساحر ضربة بالسيف يعني به القتل، وبرواية عمرو بن دينار عن بجالة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساخر فقتلنا ثلاث سواحر ولم يكن من الصحابة خلاف فثبت أنه إجماع وبما روي أن جارية لحفصة سحرت حفصة فبعثت بها إلي عبد الرحمن بن زيد فقتلها ولأن الساحر يضاهي بسحره أفعال الخالق ومثل هذا يوجب القتل.
ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها فكان على عمومه في كل من قالها من ساحر وغير ساحر، ولأن لبيد بن أعصم اليهودي حليف بني زريق قد سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم