وإن ثبت مسندًا فقد اختلف أهل العلم في تأويله.
فقال بعضهم: لأنهم يعدون ويخلفون. وإخلافه الوعد كاذب.
وقال آخرون: لأن الصباغين يسمون الألوان بما أشبهها فيقولون: هذا لون الشقائق ولون الشفق ولون النارنج.
والصواغون يسمون الأشكال بما يماثلها، فيقولون: هذا زرع وهذا شجر، وتسمية الشيء بغير اسمه كذب.
وقال آخرون: يريدون بالصباغين الذي يصبغون الكلام فيغيرون الصدق بالكذب، لأن الصبغ تغيير اللون بغيره. ويريد بالصواغين الذين يصوغون الكلام ومنهم الشعراء. لأنهم يكذبون في التشبيه والتشيب.
فإن كانوا على التأويل الأول ردت به شهادتهم، لأن مخالفة الوعد كذب. وإن كانوا على التأويل الثاني، لم ترد به الشهادة، لأنه مخالفة الاسم استعارة، وإن كانوا على التأويل الثالث، ردت الشهادة في الصباغين ولم ترد في الصواغين إذا سلموا من الكذب.
وأما المسترذل من الصنائع فضربان:
أحدهما: ما كان مسترذلًا في الدين كالمباشرين للأنجاس من الكناسين والزبالين، والحجامين، أو المشاهدين للعورات كالقيم والمزين.
والثاني: ما كان مسترذلًا في الدنيا كالنسيج والحياكة، وما يدنس برائحته كالقصاب والسماك. فإن لم يحافظ هؤلاء على إزالة الأنجاس من أيديهم وثيابهم في أوقات صلواتهم وقصروا في حقوق الله تعالى عليهم، كان ذلك جرحًا في عدالتهم وقدحًا في ديانتهم.
وإن حافظوا على إزالة النجاسة، والقيام بحقوق العدالة، ففي قدح في عدالتهم ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه يقدح فيها، لأن الرضا بها في الاسترذال قدج.
والثاني: أنه لا يقدح في العدالة لأنه لا يجد الناس منها بدًا. ولأنها مستباحة شرعًا.
والثالث: أنه يقدح في العدالة منها ما استرذل في الدين. ولا يقدج فيها ما استرذل في الدنيا، لا سيما الحياكة لكثرة الخير في أهلها.
فصل:
فإذا تقرر ما ذكرنا من شروط العدالة، وأنها فعل الطاعات واجتناب المعاصي، ولزوم المروءة على التفصيل الذي ذكرنا.
فقد قال الشافعي: "ليس أحد من الناس نعلمه إلا أن يكون قليلًا بمحض الطاعة والمروءة. حتى لا يخلطهما بمعصية ولا بمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما