وقالوا: ولأنه سبب لا يحجب من الإرث، فوجب أن يمنع من الشهادة كالأبوة والبنوة.
قالوا: ولأن الميراث يستحق بنسب وسبب فلما كان في الأنساب ما يمنع من قبول الشهادة، وجب أن يكون في الأنساب ما يمنع من قبول الشهادة.
وتحريره: أنه أحد نوعي ما يورث به فوجب أن يكون منه ما ترد به الشهادة كالنسب.
قالوا: ولأن اجتماعهما في المقام والظعن وامتزاجهما في الضيق والسعة، واختصاصهما بالميل والمحبة، وقد جمع من أسباب الارتياب المانعة من قبول الشهادة، فوجب أن ترد به الشهادة.
ودليلنا عموم قوله تعالى: {واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فوجب أن يكون على عمومه.
وروى مجالد عن الشعبي عن سويد بن غفلة أن يهوديًا كان يسوق امرأة على حمار فنسخها فرمى بها، فوقع عليها، فشهد عليه زوجها وأخوها عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقبل شهادتهما، وقتله وصلبه.
وقال سويد بن غفلة: إنه لأول مصلوب صلب بالشام.
وليس لعمر مخالف في الصحابة مع انتشار القصة فثبت أنه إجماع لا مخالف له ولأن بينهما صلة لا توجب العتق فلم يمنع من قبول الشهادة، فآباء الزوجين وأبنائهما ولأنه عقد على منفعة فلم يوجب رد الشهادة كالإجارة، ولأنه عقد معاوضة فلم يمنع من قبول الشهادة كالبيع.
فأما الجواب عن قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١] فهو أن المودة لا توجب رد الشهادة كالآخرين وعلى أنه قد يحدث بينما تباغض وعداوة تزيد على الأجانب، فلو جاز أن يكون هذا المعنى علة أن المنع لفرق بين المتحابين والمتباغضين، ولا فرق بينهما فبطل التعليل.
فأما الجواب عن تعليلهم بعدم الحجب عن الميراث، قياسًا على الآباء والأبناء فليس عدم الحجب عن الميراث علة في رد الشهادة، لأننا نرد شهادة من لا يرث من الأجداد والجدات، وغنما العلة، البعضية الموجبة للعتق التي تجري على العموم فيمن ترد شهادته بالنسب، فصار هو علة الحكم وهو معدوم في الزوجية فزال عنها حكمه.
وأما الجواب عن قياسهم على النسب، بأنه أحد نوعي الميراث، فهو فاسد بالولاء. ثم ليس الميراث علة لما ذكرنا من أن في الوالدين من لا يرث وشهادته مردودة، والإخوة والأخوات والعصبات يرثن وشهادتهم مقبولة.
وأما الجواب عن استدلالهم باجتماع أسباب التهمة في رد الشهادة فهو أن انفراد كل واحد من هذه الأسباب لما لم توجب التهمة في رد الشهادة، لم يضر اجتماعهما