عن نهجه إلى اعوجاجه، والله تعالى يقول:{قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}[الزمر: ٢٨].
وإن لم يخرجه اللحن عن صيغة لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحًا، لأنه قد زاد بألحانه في تحسينه وميل النفس إلى سماعه.
أما قوله: ليس منا من لم يتغن بالقرآن " ففيه تأويلان:
أحدهما: معناه من لم يستغن بالقرآن، وهذا قول الأصمعي، ومال إليه الشافعي. وحكي زهير بن أبي هند، عن إياس بن معاوية المزني، أنه نظر إلى رجل يتغنى بالقرآن، فقال: يا هذا إن كنت لا بد متغنيًا فبالشعر، فقال الرجل: أليس النبي {صلى الله عليه وسلم} يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن، فقال له إياس: إنما أراد النبي {صلى الله عليه وسلم}: "ليس منا من لم يستغن بالقرآن، ألم تسمع حديثه الآخر" من حفظ القرآن فظن أن أحدًا أغنى منه". أما سمعت قول الشاعر:
غنينا بذكر الله عما نراه في يد المتمولينا
والثاني: أنه محمول على غناء الصوت في تحسينه وتحزينه دون ألحانه. وهذا قول أبي عبيد، وأنكر على من حمله على الاستغناء، وقال: لو أراد هذا لقال: " من لم يتغانى بالقرآن ".
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:"وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه والعصبية المحضة أن يبغض الرجل لأنه من بني فلان فإذا أظهرها ودعا إليها وتألف عليها فمردود وقد جمع الله تبارك وتعالى المسلمين بالإسلام وهو أشرف أنسابهم فقال جل ثناؤه: "إنما المؤمنون إخوة" وقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}: كونوا عباد الله إخوانًا فمن خالف أمر الله عز وجل وأمر رسوله {صلى الله عليه وسلم} ردت شهادته ".
قال في الحاوي: وقد أمر الله تعالى المسلمين بالألفةً والتناصر، ونهاهم عن التقاطع والتدابر. وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠]. وقال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: ٧١].
وقال النبي {صلى الله عليه وسلم}" أمتي كالبنيان يشد بعضه بعضًا " وقال فيما نهاهم عنه من التقاطع: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}[آل عمران: ١٠٣].
وقال النبي {صلى الله عليه وسلم}: "لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانًا، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، والسابق أسبقهما إلى الجنة"