فكان هذا أصلًا في الدين، ليكونوا يدا على من خالفهم فيه، ولذلك قال النبي {صلى الله عليه وسلم}: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم".
ويشتمل الكلام في هذا الفصل على أربعة فصول:
أحدها: في المحبة.
والثاني: فيما يفضي إليه من المعصية.
والثالث: في البغض.
والرابع: فيما يفضي إليه من العداوة.
فأما الفصل الأول: في المحبة.
ونتحدث عن أسباب يكون بعضها مستحبًا وبعضها مباحًا وبعضها مكروها. فأما المستحب: فهو المحبةً في الدين، وظهور الخير، وما قرب من طاعة الله تعالى وباعد من معاصيه.
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠].
ولذلك آخى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بين أصحابه من المهاجرين والأنصار. فأما المباح: فهو المحبةً على النسب وعلى التجانس في علم أو أدب، وعلى ما أبيح من صناعةً أو مكسب، فهذا مباح تقوى به العدالةً ولا تضعف به، ولهذا النوع أراد الشافعي بقوله: وليس من العصبيةً أن يحب الرجل قومه". هذا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وهو أعد لخلق الله، وقد أحب قريشا لنسبه فيهم حتى خصهم بخلافته فقال: "الأئمة من قريش".
وقال {صلى الله عليه وسلم} "قدموا قريشًا ولا تتقدموها، وتعلموا من قريش ولا تعالموها".
وحمى لهم لما عادوا إلى المدينة من بدر ومعه من الأنصار سلامةً بن وقش وقد سأله بعض أهل المدينة عمن لقيهم من المشركين ببدر، فقال سلامةً: وهل لقينا إلا عجائز صلعًا، فبلغ ذلك رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فقال: "أولئك الملأ من قريش" فنفى عنهم العار مع كفرهم ومحاربتهم له.
وسمع شاعرًا من حمير ينشده:
فإني امرؤ حميري حين تنسبني لا من ربيعةً آبائي ولا مضر
فقال {صلى الله عليه وسلم}: "ذاك أهون لقدرك وأبعد لك من الله". وأما المكروه: فهو المحبةً على الموافقةً في المعاصي، فقال {صلى الله عليه وسلم}: "المرء مع من أحب" فصار محب العاصي كالعاصي.
فأما المحبةً لاستحسان الصور، فإن كانت لهوى يفضي إلى ريبةً، كرهت وإن كانت