لوقوع الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن حدوث البلوغ والعتق والإسلام يقين وحدوث العدالة مظنون،
والثاني: أن الصغر والرق والكفر ظاهر يمنع من سماع الشهادة فصارت مردودة بغير حكم. والفسق باطنا فصار ردها فيه بحكم
ولو فرق على هذا الفرق بين ردها بالفسق الظاهر فتقبل، وبين ردها بالفسق الباطن، فلا تقبل لكان وجهاً لأن الفسق الظاهر لا يحتاج إلى اجتهاد فصارا مردوداً بغير حكم كالكفر والرق والصغر والفسق الباطن يفتقر إلى اجتهاد مردوداً بالحكم وما نفذ فيه الحكم باجتهاد لم يجز أن ينقض باجتهاد.
فصل
ولو دعي العبد أو الكافر إلى تحمل الشهادة لم يلزمها تحملها، ولو دعيا إلى أداء شهادة قد تحملاها، لم يلزمهما أداؤها، لأن التحمل يراد به الأداء والأداء غير مقبول فلم يلزما.
ولو دعي الفاسق إلى تحمل الشهادة فإن كان فسقه ظاهراً لم يلزمه تحملها. وإن كان فسقه باطناً لزمه تحملها وهكذا، لو دعي إلى أداء ما قد تحمله من الشهادة ولم يلزمه أداؤه إن كان ظاهر الفسق. ولزمه أداؤها أن كان باطن الفسق لأن رد شهادته بالفسق الظاهر متفق عليه. وبالفسق الباطن مختلف فيه.
وإذا رد الحاكم شهادة رجل بفسق، ثم دعي ليشهد بها عند غيره لم يلزمه الإجابة لأن ردها بالحكم قد أبطلها، ولو توقف الحاكم عن قبولها للكشف عن عدالته حتى مات أو عزل ثم دعي ليشهد بها عند غيره، ولزمته الإجابة لأنها لم ترد فلم تبطل.
فصل
وإذا دعي المتحمل للشهادة، إلى أدائها عند الحاكم وهو ممن يصح منه الأداء فامتنع وقال: إني أخاف أن لا يقبل الحاكم شهادتي. لم يكن ذلك عذراً في امتناعه ولزمه الأداء وللحاكم اجتهاده في القبول أو الرد.
ولو امتنع عن الأداء وقال: ليس للحاكم عندي مستحقاً للحكم، إما لفسق أو جهل، لزمه الأداء وليس للشاهد اجتهاد في صحة التقليد وفساده.
وقال أحمد بن حنبل: لا يلزمه أداء الشهادة إذا اعتقد فساد تقليده بفسق أو جهل، وإنما تلزمه الشهادة عند من يرتضي من الحكام كما يلزم الحاكم قبول شهادة من يرتضي من الشهود.
وحكي أن أحمد لزمته الشهادة فدعي إلى أدائها عند بعض الحكام فامتنع. وقال: إن القاضي ليس برضي فقال الداعي: يتلف على مالي.
فقال أحمد: ما أتلف عليك مالك، الذي ولى هذا القاضي أتلف عليك مالك.