أغلظ من حكم الأصل.
والثاني: أن شهادة الفرع موجبة لثبوت شهادة الأصل ولا تثبت بالواحد شهادة الواحد.
والثالثة: أن يشهد في الفرع شاهدان على أحد شاهدي الأصل ثم يشهدان معاً على الشاهد الآخر فيتحمل شاهد الفرع عن كل واحد من شاهدي الأصل ففيه قولان:
أحدهما: يجوز، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأكثر فقهاء الحجاز والعراق.
والثاني: لا يجوز وهذا اختيار المزني
وهذا القولان محمولان على أصل وهو أن ثبوت الحق، هل يكون بشهود الأصل أو بشهود الفرع؟ وفيه قولان:
أحدهما: إنه يثبت بشهود الأصل، ويتحمله عنهم شهود الفرع، لأنه يعتبر شرط الشهادة إذا كان مما يعاين في شهود الأصل دون شهود الفرع ويتحمله عنهم شهود الفرع، فعلى هذا يصح أن يشهد شاهدا الفرع عن كل واحد من شهود الأصل.
والثاني: أن الحق يثبت بشهود الفرع، وهم يتحملون الشهادة عن شهود الأصل لجواز شهادتهم بعد موت شهود الأصل فعلى هذا إذا تحمل الشاهد الفرع عن أحد شاهدي الأصل لم يكن لهما أن يتحملا عن الشاهد الآخر.
ووهم أبو حامد الإسفراييني فعكسه، وجعل ثبوت الحق بشهود الأصل مانعاً من أن يشهد شاهد الفرع على كل واحد من شاهدي الأصل، وجعل ثبوته بشهود الأصل تجوز أن يشهد كل واحد من شاهدي الفرع على كل واحد من شاهدي الأصل.
وهذا عكس الصواب، لأن الحق إذا ثبت بشهود الأصل فهو تحمل بحق كل واحد، ويجوز ثبوته بشاهدين فإذا بشهود الفرع فهو تحمل للشهادة بشاهدين فلم يجز أن يتحملاها عنهما، لأنهما يصيران فيها كأحد الشاهدين وهذا دليل على الوهم وفرق ما بينهما في الحكم.
ثم الدليل على توجيه القولين في غير المسألة أنه إن قيل: يجوز لشاهدي الفرع أن يشهدا عن كل واحد من شاهدي الأصل فدليله من وجهين:
أحدهما: أنها شهادة على شخصين فجاز أن يجتمعا عليها في حق واحد، كما جاز أن يجتمعا عليها في حقين.
والثاني: أن اجتماعهما عليها في الحق الواحد أوكد من اجتماعها عليها في حقين، لأنه في الحق الواحد موافق وفي الحقين غير موافق.
وإن قيل: إنه لا يجوز لشاهدي الفرع إذا شهدا على أحد الشاهدين أن يشهدا على الآخر حتى يشهد عليه غيرهما، فدليله من وجهين:
أحدهما: أنهما قد قاما في التحمل عن أحدهما مقام شاهد واحد وذلك الحق فإذا شهد فيه على الشاهد الآخر صارا كالشاهد إذا شهد بذلك الحق مرتين ولا تتم