أحدهما: أن يرجعوا قبل نفوذ الحكم بها.
والثاني: أن يرجعوا بعد الحكم قبل الاستيفاء.
والثالث: أن يرجعوا بعد الاستيفاء.
فأما الحالة الأولي: وهو أن يرجعوا قبل الحكم بشهادتهم، فلا يجوز الحكم بها بعد رجوعهم، سواء كانت الشهادة في حد الله تعالي، أو مال لآدمي، وهو قول جمهور الفقهاء إلا أبا ثور فإنه تفرد بإمضاء الحكم بعد رجوعهم.
وبناه علي مذهبه في إمضاء الحكم بعد حدوث فسقهم، وهذا خطأ في المذهب والبناء.
وأما خطؤه في المذهب، فهو أنه لا يخلو حالهم في الشهادة والرجوع من أحد أمرين:
إما أن يكونوا صادقين في الشهادة كاذبين في الرجوع، أو كاذبين في الشهادة صادقين في الرجوع فوجب ردها لأمرين:
أحدهما: الجهالة بصدق شهادتهم، فصار كالجهالة بعدالتهم.
والثاني: أنهم لم ينكفوا من الكذب في أحد قوليهم.
وأما خطؤه في البناء: فهو أن الفاسق مقيم علي شهادته ويجوز أن يكون فيها صادقا. والراجع مقر أنه لم يكن في الشهادة صادقا، فافترقا. فإذا ثبت أنه لا يحكم بشهادتهم، نظر في الشهادة بعد رجوعهم عنها. فإنهم فيها علي ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يعمدوها، فيكون قدحا في عدالتهم وموجبا لفسقهم، ويعزروا، لأنهم عمدوا الشهادة بالزور.
والثاني: أن لا يتعمدوها، ولكن سهوا فيها، فيكون ذلك قدحا في ضبطهم لا في عدالتهم، فوجب التوقف في شهادتهم إلا فيما تحققوه وأحاطوا به علما.
والثالث: أن لا يكون ذلك بعمد لا يسهو ولكن بشبهة اعترضتهم يجوز مثلها علي أهل التيقظ والعدالة فهم علي عدالتهم وضبطهم، لا يقدح ذلك في واحد منهم فتقبل شهادتهم في غير ما رجعوا عنه، فإن التمس المشهود علي صحة رجوعهم لم يكن له إحلافهم، لأن حقه علي غيرهم، ولو ادعي المشهود له أن الشهود قد رجعوا وأنكروا الرجوع، لم يكن له إحلافهم، لأنه لا خصومة بينه وبينهم.
وهكذا لو ادعي عليهم علموا أني برئت مما شهدوا به، وقد شهدوا مع علمهم أنه برئ منه وطلب يمينهم لم يحلفوا عليه.
ولو أحضر المشهود عليه بينه تشهد علي المشهود برجوعهم، قبلت، وحكم عليهم بالرجوع، وبطلت شهادتهم علي المشهود عليه، ولا ضمان عليهم للمشهود له.
وقال الحسن باق علي المشهود عليه.