للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد من الشهادة وبالرجوع محتملا للصدق والكذب، وقد اقترن بالشهادة حكم واستيفاء فلم يجز نقضها برجوع محتمل.

والثاني: أن الشهادة إلزام والرجوع إقرار بدليل أنه وارد بغير لفظ الشهادة والإقرار لازم في حق المقر دون غيره، فلم يجز أن ينقض به الحكم، لأنه يصير إقراره إلزاما لغيره. وهو موجب أن يعود عليه لا علي غيره. فإذا ثبت أنه لا ينقض به الحكم بعد استيفاء الحق، انتقل الكلام إلي ما يلزم الشهود برجوعهم، وهو مختلف الحق المستوفي، وينقسم إلي ثلاثة أقسام:

أحدهما: أن يكون إتلافا يختص بالأبدان.

والثاني: أن يكون إتلافا يختص بالأحكام.

والثالث: أن يكون إتلافا يختص بالأموال.

فأما القسم الأول: فيما اختص بالأبدان.

فهل قتل نفس أو قطع طرف بشهادتهم علي رجل أنه قتل فقتل، أو قطع فقطع ثم رجعوا علي شهادتهم بعد أن قتل أن قتل أو قطع فقد اختلف الفقهاء فيما يلزمهم برجوعهم إذا عمدوا:

فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن عليهم القود، وهذا قول ابن شبرمة وأحمد وإسحاق.

وقال أبو حنيفة: إن عليهم الدية دون القود وقال مالك، لا قود عليهم ولا دية.

واستدل أصحاب أبي حنيفة علي سقوط القود بأن الشهادة سبب أفضي إلي القتل موجب أن يتعلق به الحكم الغرم دون القود، كحفر البئر ووضع الحجر. واستدل أصحاب مالك علي سقوط الدية بأن الشهادة سبب اقترن به مباشرة الحاكم، فلما سقطت الدية عن الحاكم بالمباشرة كان أولي أن تسقط عن الشهود بالسبب، لأن السبب سقط بالمباشرة.

والدليل علي وجوب القود: اجتماع الصحابة في قصتين مشهورتين عن إمامين منهم لم يختلف عليهما أحد منهم.

إحداهما: عن أبي بكر رضي الله عنه أن شاهدين شهدا عنده بالقتل وقيل بالقطع فاقتص به، ثم رجع الشاهدان وقالا: أخطأنا الأول، وهذا هو القاتل أو القاطع.

فقال: لو علمت أنكم تعمدتما لأقلكما.

والثانية: وهي أثبت رواها الشافعي عن سفيان عن مطرف عن الشعبي أن رجلين شهدا عند علي عليه السلام علي رجل أنه سرق فقطعه، ثم أتياه بعد برجل آخر وقالا: أخطأنا في الأول وهذا هو السارق، فأبطل شهادتهما علي الآخر ثم ضمنهما دية الأول، وقال لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما.

وقال أحمد بن حنبل عن مطرف، عن الشعبي عن علي عليه السلام غير مرفوع أن رجلين شهدا عن علي رضي الله عنه بخبر مرفوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>