في مرضه فقد أحاط دينه بتركته بهد طلاقه وإن لم ينفذ عتقه، لأنها لا تنتقل إلي القدماء كعتق أم الولد، خالف عتق العبد القن الذي يصرف في ديونه لو لم يعتق.
فصل:
وإذا قد ذكرنا دلائل من أثبت الغرم فنفاه، فالذي أراه أولي من إطلاق هذين المذهبين أن الشهادة بهذا الطلاق الكاذب يوجب تحريمها في الظاهر دون الباطن. ويجوز لهما الاجتماع بعدها فيما بينهما وبين الله تعالي. علي أصل مذهبنا في أن الحكم الحاكم في الظاهر لا يحيل الأمور عما هي عليه في الباطن، وإن خالفنا أبو حنيفة.
فاقتضي من مذهبنا أن ينظر في حال الزوج، فإن وصل إلي الاستمتاع بزوجته بمساعدتها علي ما أباحها الله تعالي في الباطن، فلا رجوع للزوج بمهرها علي الشهود إذا رجعوا، لئلا يجمع بين الاستباحة والرجوع بالمهر. وإن لم يصل إلي الاستمتاع بها، لامتناعها عليه تمسكا بظاهر التحريم، رجع علي الشهود بمهرها لتفويتهم علي بعضها.
ويتفرع علي هذا أن يشهد شاهدان علي رجل بقذف امرأته بالزنا فيلا عن الحاكم بينهما، ثم يرجع الشاهدان، واللعان في الظاهر علي نفاذه في وقوع الفرقة وتحريم الأبد، فأما نفوذه في الباطن فمعتبر بحال الزوج، فإن حد القذف حين لاعن باختياره، فلا رجوع له علي الشهود لوقوع الفرقة بلعانة.
وإن خاف من حد القذف، لم تقع الفرقة في الباطن، ولا رجوع له علي الشهود إن أمكنته من نفسها، ويرجع عليهم إن منعته، والله أعلم.
فصل:
فإذا ثبت وجوب الغرم علي الشهود إذا رجعوا في الطلاق، فهو علي ضربين:
أحدهما: أن يكون الطلاق ثلاثا.
والثاني: دون الثلاث.
فإن كان ما شهدوا به من الطلاق فعلي ضربين:
أحدهما: أن يكون بعد الدخول: فعليهم ضمان جميع المهر يقسط بينهم علي أعدادهم، فإن شهد به اثنان، كان علي واحد منهما نصفه، وإن شهد به ثلاثة، كان علي كل واحد منهم ثلثه.
والثاني: أن تكون شهادتهم بالطلاق قبل الدخول، فقد اختلفت الرواية عن الشافعي في قدر ما يلزم الشهود.
فروي عنه المزني: أن عليهم ضمان جميع المهر.
وروي عنه الربيع: أن عليهم ضمان نصفه، واختاره المزني.
فاختلف أصحابنا في اختلاف ما نقلاه، فخرجه أكثرهم علي قولين: