أنهما فاسقان كما يقبل أنهما عبدان ومشركان ويرد الحكم ".
قال في الحاوي: أعلم أنه لا خلاف في شهادة الفاسق بالنص، فإذا حكم شهادة شاهدين ثم بأن له فسقهما، فإن كان الفاسق طارئاً أمضى الحكم بشهادتهما فهو على صحته ونفاذه.
وإن كان الفاسق متقدماً قبل إمضاء الحكم بشهادتهما، فمذهب الشافعي المنصوص عليه في جميع كتبه، أن الحكم بشهادتهما مردود وأن الفسق أسوأ حالاً من الرق، لأن خبر العبد مقبول وخبر الفاسق مردود. ونقل المزني في هذا الموضوع عن الشافعي: أن الحاكم إذا أطرد المشهود عليه جرح الشهود مدة إطراده، فلم يأت بالجرح، فأمضى الحكم عليه بشهادتهما، ثم أتى بعد إمضاء الحكم ببينة الجرح ثم كان حكمه عليه ماضياً، وظاهر هذا أنه قول بأن الحكم لا ينقضي بشهادة الفاسق.
واختلف أصحابنا في صحة تخريجه:
فمذهب المزني وأبو العباس سريج تخريجه قولاً ثانياً، وجعلوا نقض الحكم بشهادة الفاسق على قولين:
أحدهما: ينقضه، وهو النص:
والثاني: لا ينقضه، وهو المخرج وبه قال أبو حنيفة.
وذهب أبو إسحاق المروزي وجمهور أصحاب الشافعي إلى المنع من تخريجه قولاً ثانياً وأنه لا يجب على مذهب الشافعي إلا ما نص عليه وصرح به من نقض الحكم بشهادته قولاً واحداً.
فأجابوا عما نقله المزني، فيمن أطرده الحاكم بجرح شهوده فأحضره بينة الجرح بعد انقضاء زمانه ونفوذ حكمه بجوابين:
أحدهما: أنه لم ينقضه، لأن الخصم أقام بينة بفسق الشهود مطلقاً، ولم يشهدوا بفسق الشهود قبل الحكم، فلم ينقضه لجواز حدوثه بعد نفوذ الحكم بها حتى يعينوا أنه كان فاسقاً قبل الشهادة أو بعدها وقبل نفوذ الحكم بها فينقضها.
والثاني: أنه محمول على أن الخصم عجز عن بينة الجرح عند اطراده فحكم عليه، ثم عاد يسأل الحاكم إطراده ثانية، ولا يجوز أن يطرده الجرح بعد إبطال الإطراد، لأن الإطراد يوجب نقض الحكم عليه، والحكم قد نفذ، فلا يجوز ان يعاد إلى الوقف على الإطراد.
فإن بان للحاكم الفسق من غير إطراد الخصم، بأن قامت عنده البينة بأنه شرب خمراً أو قذف محصناً قبل شهادته، نقض الحكم بها، فبان أن مذهب الشافعي رحمه الله نقض الحكم بشهادة الفاسق من غير أن يختلف قوله فيه كما ينقضه بشهادة العبد والكافر.
وقال أبو حنيفة: لا ينقض الحكم بشهادة الفاسق، وإن نقضه بشهادة العبد والكافر استدلالاً بأن الرق والكفر مقطوع بهما والفسق مجتهد فيه، فجاز نقض بالمقطوع به كما