يكن للحاكم، أن يسمعها من كافة الناس.
والضرب الثاني: أن يدعي ما تقر عليه اليد، ولا تصح المعارضة عنه كجلود الميتة والسراجين، والسماد، والنجس، والكلاب المعلمة، تقر عليها اليد للانتفاع بجلود الميتة، إذا دبغت وبالسماد، والسراجين في الزروع، والشجر، والكلاب في الصيد، والمواشي، واختلف في اليد عليها، إذا كانت الجلود من أموات حيوان، والسراجين من أرواث بهائمه، هل تكون يد ملك أو يد انتفاع؟ على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها يد انتفاع لا يد ملك لخروجها عن معارضة الأملاك.
والوجه الثاني: أنها يد ملك لأنه أحق بها كسائر الأموال.
والوجه الثالث: أن ما كان منها ملكًا يعتاض عنه، ويصير في الثاني يعتاض عنه كجلود الميتة كانت اليد عليها يد ملك اعتبارًا بالطرفين وما خرج عن أملاك المعاوضة في طرفيه كالكلاب، والأنجاس، كانت اليد عليها يد انتفاع لا يد ملك فإذا توجهت الدعوى إلي شيء من هذا، لم يخل من أن يكون باقيًا أو تالفًا. فإن كان تالفًا كانت الدعوى فيه باطلة، لأنه لا يستحق بتلفها مثل ولا قيمة، وإن كانت باقية لم يخل أن يدعيها بمعاوضة، أو غير معاوضة.
فإن ادعاها بمعاوضة أنه ابتاعها، كانت الدعوى فاسدة، لأنها لا تملك بالابتياع إلا أن يكون قد دفع ثمنها، فتكون دعواه متوجهة إلي الثمن إن طلبه، ويكون ذكر ابتياعها إخبارًا عن السبب الموجب لاسترجاع الثمن به، وإن ادعاها بغير معاوضة فقد تصح دعواها في أحد ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تغصب منه، فتصح دعوى غصبها.
والثاني: أن يوصي بها، فتصح دعوى الوصية بها.
والثالث: أن توهب له، فتصح دعوى هبتها.
فإن أطلق الدعوى ولم يفسرها، لما تصح به أو تفسد، فقد اختلف فيما يكون من الحاكم فيها على وجهين:
أحدهما: يستفسر ليعمل على تفسيره في صحتها، وفسادها، لأنه مندوب لفصل ما اشتبه.
والوجه الثاني: أن يمسكه متوقفًا عنهما، ولا يستفسره إياها، ليكون هو المبتدئ بتفسيرها، لأن استيفاء دعواه حق له، يقف على خياره.
والضرب الثالث: ما تقر عليه اليد ملكًا، ولا يجوز أن ينتقل من مالك إلي مالك كالوقف وأمهات الأولاد، والدعوى فيه على المالك فاسدة، لا يجوز أن يسمعها الحاكم على مالك لاستحالة انتقاله عن ملكه إلي ملك غيره إلا أن يدعي ابتياعه لاسترجاع الثمن، فتكون الدعوى متوجهة إلي الثمن ويكون ذكر ابتياعه إخبارًا عن السبب. ويجوز أن يدعي الوقف وأم الولد على غاصبها، وإن لم يدعيا على مالكهما.