وأما الضرب الثالث: في الأصل وهو ما عاد فساده إلي سبب الدعوى وهو على ضربين: عقد ومقتضى عقد.
فأما العقد كالبيع، وإذا ادعى ما ابتاعه وهو على ثلاثة أضرب: صحيح ومتفق على فساده، ومختلف فيه:
فإذا كان البيع صحيحًا، صحت الدعوى فيه، إذا استوفي شروطها على ما سنذكره وإن كان البيع متفقًا على فساده كبيع الحمل في البطن، وبيع الثمرة قبل أن تخلق، فالدعوى فيه باطلة لا يسمعها إن طلب تسليم المبيع، ويسمعها إن طلب موجبها من رد الثمن.
وإن كان المبيع مختلفًا فيه كبيع العين الغائبة، يسمعها ليحكم فيها بما يؤدي إليه اجتهاده، من صحة البيع، وتسليم المبيع، أو يحكم بفساده ورد الثمن. وكذلك الحكم في عقود الإجارات، والمناكح والرهون.
وأنا نقص العهد فكالشفعة، وهي على ثلاثة أضرب: مستحقة، وباطلة ومختلفة فيها. فأما المستحقة، فشفعة الخلطة تصح دعواها بعد استيفاء شروطها وأما الباطلة فالشفعة فيما ينقل من متاع، أو حيوان فلا يسمع الحاكم ممن منه الدعوى فإن جهل المدعي حكمها أخبره بسقوط حقه فيها.
وأما المختلف فيها فشفعة الجار، فإن كان الحاكم ممن يرى وجوبها سمع الدعوى فيها، وحكم بها لمدعيها، وإن كان ممن لا يرى وجوبها لم يسمع الدعوى فيها بخلاف البيع المختلف فيه، لأن في البيع عقدًا يفتقر إلي الحاكم بإبطاله فلذلك سمع فيه الدعوى ليحكم بإبطاله ورد ما تقابضاه، وليس هذا في الشفعة، لأنها مجرد دعوى، يبطل بردها، والإعراض عنها، فلذلك ما افترقا.
فصل:
وأما الدعوى المجملة فكقوله: لي عليه شيء، فالشيء مجهول لانطلاقه على كل موجود من حق وباطل، وصحيح وفاسد، فلا يسمع دعوى المجمل والمجهول وإن سمع الإقرار، بالمجمل والمجهول. والفرق بين الدعوى والإقرار من وجهين:
أحدهما: أن المدعي لا يجوز أن يدعي ما أشكل عليه.
والثاني: أن مدعي المجهول مقصر في حق نفسه، فلم تسمع منه، والمقر مقصر حق غيره، فأضر به، ولا يلزم الحاكم أن يستفسره عما ادعاه من مجمل، أو مجهول، حتى يكون هو المبتدئ بتفسيره بخلاق ما ذكرنا من الوجهين من استقرار المقصود بالدعوى، لأن تلك معلومة سئل فيها عن مقصوده، وهذه مجهولة أخفاها لقصده، فإن قال له فسر ما أجهلت لم يجز، لأنه تلقين وإن قاله له إن فسرت ما أجملت جاز لأنه استفهام، والحاكم لا يجوز أن يلق ويجوز أن يستفهم.