للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمس، لم أقبل قد يكون في يديه ما ليس له، إلا أن يقيم بينة أنه أخذها منه".

قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا كان في يد رجل دار فادعيت عليه وأقام مدعيها البينة أنها كانت في يده أمس، كالذي نقله المزني والربيع، أنه لا حجة للمدعي في هذه البينة بأن الدار كانت بيده بالأمس، ويكون القول قول صاحب اليد مع يمينه.

ونقل أبو يعقوب البويطي أن بينة المدعي مسموعةً، ويقضى له بالدار، فاختلف أصحابنا في تخريجه، فكان أبو العباس بن سريج يخرج سماعها على قولين:

أحدهما: ما رواه المزني والربيع أن هذه البينة لا تسمع ولا يحكم بها للمدعي، وتكون الدار مقرة في يد صاحب اليد في وقت الدعوى لأمرين:

أحدهما: أن اليد غير موجبة للملك، وإنما يستدل بظاهرها على الملك، وإن جاز أن تكون بغير ملك، لدخولها بغصب، أو إجارةً، فإذا زالت بيد طارئةً، صارت الثابتةً أولى من الزائلةً لجواز انتقالها بملك طارئ من ابتياع، أو هبةً فبطل بزوالها ما أوجبه ظاهرها.

والثاني: أن البينة تسمع فيما تصح فيه الدعوى، ولو قال المدعي كانت هذه الدار في يدي بالأمس، لم تسمع هذه الدعوى فوجب إذا أقام البينة بذلك أن لا يسمع، لأن البينة يجب أن تكون مطابقةً للدعوى في القبول والرد.

والثاني: وهو ما نقله "البويطي" أن بينة المدعي مسموعةً ويحكم بها على اليد الطارئة، لتقدمها، إلا أن يقيم صاحب اليد بينة أنها انتقلت إليه بحق من هبة أو بيع، لأن اليد دالة على الملك، فجرت مجراه، وقد ثبت أن المدعي لو أقام بينة على أن الدار كانت له بالأمس حكم له بها، كذلك إذا أقام بينة أنها كانت في يده بالأمس، وذهب أبو إسحاق المروزي وجمهور أصحابنا إلى إبطال ما نقله البويطي، ونسبوه إلى مذهب لنفسه، وليس بقول الشافعي لأن كتب الشافعي تدل نصوصها على خلافه، وكذلك ما نقله عنه سائر أصحابه تعليلًا، بما قدمناه، وفرقوا بين أن يقيم البينةً، أنه كان مالكا لها بالأمس، فيحكم بها، وبين أن يقيم بينةً بأنها كانت في يده بالأمس، ولا يحكم بها، لأن ثبوت الملك يوجب دوامه إلا بحدوث سبب يوجب انتقاله وثبوت اليد لا توجب دوامها، لأنها قد تكون بإجارةً ترتفع بانقضاء مدتها، فافترقا في القبول، لافتراقهما في الموجب.

وإذا وجب بما ذكرنا أن تكون البينة باليد المتقدمةً، غير مسموعةً مع ما حدث من اليد الطارئةً، فإنما لا تسمع إذا كانت مقصورةً على تقدم اليد فإن شهدت مع تقدم اليد بالسبب الذي انتقلت به إلى اليد الطارئةً من غصب، أو وديعةً، أو عاريةً وجب سماعها والحكم بها، وهو معنى قول الشافعي، لا إلا أن يقيم بينة أنه أخذها منه،. يعني بما لا يوجب زوال الملك، إما بمباح من وديعةً، أو عاريةً، أو بمحظور من غصب وتغلب، لأنه قد بان بالبينة، أن اليد الطارئة غير موجبة للملك فثبت بها حكم اليد المقدمةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>