الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك". وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه" ولأنه مال لا يجوز لأحد أن يتملكه، فلم يجز أن يأخذه قياسًا على ما في يد الغريم من رهون، وودائع.
ولأنه إذا أخذه من غير جنس حقه لم يحل أن يأخذه لأنه إما أن يملكه أن يبيعه، فلم يجز أن يتملكه لأنه من غير جنس حقه، ولم يجز أن يبيعه، لأنه لا ولاية له على بيعه.
فبطل أن يكون له حق في أخذه.
ودليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لصاحب الحق يد ومقال" فكانت اليد على العموم.
وروي الشافعي عن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن هند امرأة أبي سفيان قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، وأنه لا يعطيني ما يكفيني، وولدي إلا ما أخذت منه سرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
ولأن من الحقوق المختلفة ما يتعذر وجود جنسها في ماله، فدل على جواز أخذه من غير جنسه ومن جنسه، ولأن من جاز له أخذ دينه من جنسه جاز له أخذه مع تعذر الجنس أن يأخذ من غير جنسه قياسًا على أخذ الدراهم بالدنانير، بالدراهم، ولأن من جاز أن يقضي منه دينه، جاز أن يتوصل مستحقه إلى أخذه، إذا امتنع بحسب الممكن قياسًا على المحاكمة.
فإن قيل: فالحاكم يجبر على البيع ولا يبيع عليه.
قيل: عندنا يبيع عليه في دينه، إذا امتنع من بيعه سواء، كان ماله عروضًا أو عقارًا. وحكي عن أبي حنيفة: أنه منع من بيع العقار من الديون، وهو عندنا مبيع عليه، في الحالين جبرًا، لأن جميع الديون تقضي من جميع الأموال كدين الميت.
وأما الجواب عن قولهم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" فهو أن حمله على أن لا يدفع صاحب الدين من دينه، وهو مظلوم، أولى من حمله على من عليه الدين، وهو ظالم.